حافة الموت

سيد الوكيل
سيد الوكيل

أمضى فى شوارع لا أعرفها، واسعة بلا حدود، ولا أحد غيرى فى كل هذا الفراغ المظلم، فمشيت متوجساً فى منتصف الشارع، أملاً فى أن يدلنى أحد على بيتى. عندئذ ظهرت سيارات كثيرة وانطلقت فى اتجاهى. 

إنهم لا يضيئون أنوارهم حتى أراهم، فقط يهددوننى بالموت المباغت فى كل لحظة، وكنت اتفاداهم مذعوراً، بلا ثقة فى قدرتى على الصمود.

كلما مروا بي، أحدق فيهم فلا أرى وجوههم أبداً، أصرخ فيهم فلا يلتفتون لوجودي، فيما ظلوا يتتابعون بسياراتهم السريعة.

من بعيد رأيتُ امتداد الشارع، كتلة مصمتة من الظلام، فيه تجلت أبعاد مبنى كبير.

 فى البداية كان بلا ضوء أو لون، غير أنه كان يقترب منى، حتى رأيت بوابته بوضوح، والنوافذ العلوية تسرب ضوءاً شحيحاً ومرتعشا، ورأيت الممرضة تقف أمام البوابة الكبيرة، بملابسها البيضاء وابتسامتها الغامضة. أدركت أنها تدعونى للدخول، فدخلت وراءها.

 ثَم طُرقات لا أحد فيها غيرنا. الممرضة تبتعد وأنا متعب وبطيء، حتى تلاشت فى ظلام الطُرقات الضيقة. غير أنى كنت أسمع صوت خطواتها، لا أدرى من أى اتجاه تأتي. فقط كنت أتبعه فربما أراها من جديد.

انتهيت إلى طرقتين متقابلتين، كانتا غارقتين فى الظلام، وكان لابد من الاختيار، إلى أى ظلام أمضى؟


 آنست نوراً فى طرقة اليسار فمضيت، وعند النهاية، رأيت باباً موارباً، وبصيص ضوء على عتبته. ثم رأيتُ محفةً، فوقها جثة مغطاة بملاءة بيضاء، وثم دم ناشع عليها. 

عدتُ مذعوراً إلى الطرقة المقابلة، وفيما كنت فى منتصفها، إذا برجلين فى ملابس سوداء، رأيتهما بوضوح فى الظلام ، مرا أمامى يجران محفة فوقها جثة مغطاة بملاءة بيضاء.

على سبيل الونس تبعتهما فى صمت وخوف حتى نهاية الطرقة، عندئذ انفتح باب، فرأيت ردهة واسعة يغمرها نور لايتجاوز عتبة الباب ولا يتسرب إلى الطُرقة، كأنه مقيم فى الردهة فحسب، نور قوى ومبهر حتى أنى رأيت كل شىء بوضوح: محفات كثيرة لجثث مغطاة بملاءات بيضاء، وثم رجال ونساء بمعاطف نظيفة وناصعة، يتحركون بين المحفات بهمة، ثم.. رأيت بينهم الممرضة، صرخت أناديها. لكن صوتى لم يصل إلى الردهة المضيئة، وهى لم ترنى فى طُرقتى المظلمة.

وقفتُ يائساً فى الظلام، أرقب الرجلين فى ملابسهما السوداء، وهما يدفعان المحفة عند أول باب الردهة، ففهمت أنه غير مسموح لهما بالدخول، ثم عاد الباب ينغلق، وفيما كانا عائدين فى اتجاه الطرقة الأخرى، مرا بجوارى، وسمعت أحدهما يسأل الآخر: هل تأكدت أنه الرجل الذى دهسته السيارة؟.