حيث أضع رأسى

يارا كمال
يارا كمال

الهواء البارد يضرب الجلود بسياطه، وينفخ فى النار لتشتعل أكثر. عيب المواصلات أنها مليئة بالفتحات التى يتسلل منها لصوص الدفء. الزحام له فوائد. التحام الأجسام قد يكون دفئًا. تأبى النافذة أن تنغلق لأن مزلاجها مكسور. أحاول إغلاقها ولكنها تنفتح. تنعكس صورة وجوهنا فى زجاج النافذة دون أعيننا التى كانت من المفترض أن تظهر فى الجزء المفتوح. 

يصعد عربة السيدات رجل وامرأة. تنظر بعض السيدات والفتيات إلى الرجل نظرة استنكار معتادة، فبالرغم من أن الساعة تجاوزت التاسعة إلا أنها عربة السيدات التى من المفترض أن تظل تحت سطوة السيدات دائمًا لكن ذلك لا يحدث أبدًا.

لا يلتفت الرجل إلى نظرات السيدات، ليس من باب المبالاة، ولكنه كان ينظر إلى ثقبٍ ما فى الهواء أمامه مفتوح العينين، كأنه فى حدث آخر. 

ظلت الأرواح الباردة تخترق جسدها وهى تئن. هو ليس أنينًا. سسسسسسس. هذا هو الصوت الذى أصدرته وجسدها ينتفض.

تطلب منّا أن نغلق النافذة، فنخبرها أنها لا تريد أن تنغلق. تشمرت أكمامها لأجد كُمَّين آخرين من الصوف تحتهما يغطيان ذراعيها. تشمر كميها الصوفيين لتكشف عن أنّاتها المتحشرجة وليظهر ذراعاها المحترقتان بالكامل. 

مازالت تنظر إلى ذراعيها الناضجتين بفعل النار فى أسى وألم وانبهار ونحن ننظر إليهما فى اندهاش وشفقة وعجز وبعضنا فى اشمئزاز. 

لا ينظر لها الرجل الذى ركب معها، حتى إنّى أتشكك فى أنه ركب وحيدًا. ظلت تئن ونحن ننظر إليها دون قدرة على فعل شىء محاولين تجاهلها فاشلين. 
فجأة يصرخ الرجل فى وجهها صرخة جعلتنا ننتفض:«بسسسسسس.. بقى». يختنق صوته بالبكاء فى آخر «الشخطة». نزلت دمعة من عينه كادت تتعفن بداخل مقلته قوية وسريعة على ذراعها المحترق، فأنّت أنّة صغيرة. 

أرى الغضب يعتمل على وجوه بعض الراكبات، ولكنه يتحنط عندما تضع رأسها على كتفه وذراعيها مازالتا مشمرتين.