الرصاصة الأخيرة

لطفى أبو السعود
لطفى أبو السعود

ثبّت الرصاصة بين عينيها وقال: «لن يأتينا شتاء هذا العام». ثم تأمل انعكاس وجهه المطلى بالدماء فى زجاج عينيها الساكن وابتسم كأنه موت، زحف للخلف بقوة ذبيحة رقبتها بين فكى مفترس، حتى خرج من الغرفة إلى بلكونة ضيقة من الزجاج تقع على قمة ناطحة سحاب، عرف أنه قادر، قادر على تكسير الماضى والمستقبل اللذين لا يعنيان له أى شىء، استقرت قدماه على حافة البلكونة، وبضغينة وخبث غائر تطلع إلى سماء الماضى المتوارية خلف تلال الغيوم الشاحبة، وانتشر بين ثنايا قلبه روعة المستعذب للألم.

بالأسفل رأى مثلما يرى النائم جموع كالنمل تراقب براكين الغرور وهى تستعر وتنتفض داخله، بينه وبين البشر بالأسفل ٢٦ عاما وشهران إلا يوما «الآن نحن نفعلها!»

الآن نحن نفعلها؟!

لن يقاوم المحتوم، لن، وأبداً أبداً لن يلتفت خلفه، ترك جسده يفعل ما يشاء. حتى صار فى الهواء، بين السماء والسماء الأخرى، وأرض البطيخ والأرض الأخرى، دفعة الهواء لأعلى ومن الأعلى دفعته الملائكة لأسفل، شعر العالم بوجوده، الآن؟

تقترب الأرض منه والبشر فى الأسفل تهرب للخلف، الكل هارب للنجاة وهو الهارب نحو الفناء، المذكرات بجانبها تحكى ما حدث، ووحدها القادرة على فك الرموز قد سبقته منذ دقيقتين.

أخبرها أنه راحل وربط على كفّيها وقال: «الآن». لترد مثل مجذوب ابتلع كيلو من عقار مثبط لا يذكر اسمه: «لا.. بل أنا قبلك». أمسكت المسدس ووضعته فى يده وثبتته بين رؤياها وأطلقت، الرصاصة الأخيرة. وانفجرت جثته على الأرض لقطع رخوة مشبعة بالدماء الداكنة، حول مساحة دائرية فارغة، ومن حوله البشر يلتقطون صوراً لِما تبقى منه.