رئيس الجمعية الأفريقية: التاريخ لا ينسى الدور المصري في تحرير القارة السمراء

السفير محمد نصر
السفير محمد نصر

مخازن من الأسرار والتاريخ الممتد عن علاقة مصر بدول القارة الأفريقية، صور الجدران تحمل ذكرياتٍ لا يُمكن أن تُنسى عن كفاح القارة السمراء في رحلتها للخروج إلى نور الحرية والاستقلال بعد سنوات من نير العبودية والاستغلال.. إنها الجمعية الأفريقية، الذي كان لنا هذا الحوار مع رئيسها السفير محمد نصر الدين، وهو شخصية فذة تحمل كثيراً من الذكريات والبطولات عن أفريقيا.. فى هذا المكان الذي تشم فى جدرانه رائحة البارود تارة، وتسمع خطى أقدام ثائرة تارة أخرى.. وخلال هذا الحوار أردنا التعرف على دور الجمعية فى إشعال أول ضوء للتحرر، وعن الدور المصري الممتد فى التاريخ لمساعدة دول القارة، وغيرها من الأسئلة التي جمعت بين الماضي والحاضر والمستقبل.. وإلى تفاصيل الحوار:

 مساعدتنا لأشقائنا واجب قومى.. ودورتنا السابقة فى الاتحاد كانت فارقة 

 «عم عشماوى».. قصة موظف تحويلة ساعد الثوار الأفارقة فأكرموه 

فى البداية.. ما تقييمك لدور الرئيس السيسي واهتماماته تجاه دول القارة منذ توليه الحكم؟
- لا أحد ينكر هذا الدور الذى يُعتبر طفرة فى عودة العلاقات مع دول القارة مرة أخرى، وعلى رأسها عودة عضوية مصر للاتحاد الأفريقى مرة أخرى بعد سنواتٍ عجاف توترت فيها العلاقات، وزيادة عدد الزيارات الخارجية فى مختلف أنحاء أفريقيا، وأصبحت مصر تتحدث باسم القارة أمام العالم، وكانت مرحلة فارقة خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى.

دورة فارقة

هل ترى أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي كانت مختلفة؟
- هذه حقيقة، فرئاسة مصر للاتحاد الأفريقي كانت دورة فارقة، سواء أكانت فى علاقة مصر بالدول الأفريقية، أم بعلاقة أفريقيا بدول العالم خلال هذه السنة، وكان هذا واضحاً فى كم المباحثات والشراكات المختلفة التى جرت بين مصر وباقى الدول الأفريقية، وكذلك التوافق الكبير الذى حدث فى هذا العام بين كل الدول الأفريقية.

لكن هل مصر قادرة على العودة لسابق عهدها بأفريقيا بحكم تاريخ التحرر؟
- يجب أن نعي أن العلاقات تكمن فى المصالح والشراكات، واعتمادنا على التاريخ ليس كافياً ونعى جيداً بأن احتضاننا لحركات التحرر كان واجباً قومياً لامتداد جغرافي، وليس باعتباره تفضلاً من دولة كبيرة فى قيمة مصر، وتأكد بأن العلاقات الآن فى عهد السيسي تطورت بشكل كبير وأصبحت لنا أرضاً خصبة مرة أخرى.

وكيف كان دور الجمعية الأفريقية تجاه مندوبي الحركات التحريرية؟
- كانت الجمعية ملاذاً آمناً لهم فى تحقيق آمالهم وتشجيع جهودهم فى تحرير ما يقرب من 33 دولة على يد عددٍ من المندوبين يبلغ عددهم 38 شخصاً؛ لأنه كان يُسمح بوجود أكثرمن مندوب للدولة الواحدة، وفيها كان يتم تخزين السلاح في بدروم الجمعية، وتخصيص مكتب لكل مندوب وتوفيرالسكن لهم، وحماية كاملة لكل اتصالاتهم.

دور تاريخي

وما الدور الذى قامت به مصر استكمالاً لتحقيق جهد الجمعية؟
- دور مصر تاريخى فى تحرير دول القارة، حيث كان يتم تدريب المندوبين فى معسكر بالإسماعيلية لتمكينهم من خوض المعارك وكان يتم اصطحاب هؤلاء المندوبين إلى نيويورك وجنيف لطرح قضيتهم دون أى ضغوطاتٍ أمام العالم فى مقر الأمم المتحدة تحت رعاية كاملة من مصر، وإطلاق الإذاعة المشتركة باللغات المحلية الأفريقية، وإذاعة صوت العرب التى كانت تنطلق من 4 شارع الشريفين باللغات المحلية لمخاطبة المواطنين لمقاومة الاحتلال فى كل البلدان، والصحف التى كان يتم إرسالها إلى السفارات الغربية فى مصر لمقاومة الاحتلال.

ما حكاية «عم عشماوى» مع هؤلاء المندوبين أثناء إقامتهم بالجمعية؟
- عم عشماوى كان صمام الأمان للجمعية لمدة 9 سنوات، منذ عام 56 تقريباً حتى 65، وكان قد تمت إعارته من رئاسة الجمهورية والتحق بها وقت تنصيب «فايق» رئيساً للجمعية، وكان عامل تحويلة يقوم بالرد على التليفونات، ويحرص على رعاية المندوبين المتواجدين، خاصة مندوب ناميبيا «لومومبا»، الذى كان يسكن فى «عشة» على سطوح الجمعية، بعد أن امتلأت كل مكاتبها بالمندوبين، وكان عم عشماوى يطبخ له بنفسه، ولذلك عندما أصبح رئيساً لناميبيا كان يأتى خصيصاً لزيارة عم عشماوى بالجمعية، ويقول له : نحن مدينون لك بالفضل، وتوفى عم عشماوى فى 2005.

ولكن.. لماذا تم إنشاء الجمعية الأفريقية فى هذا المكان تحديداً ؟
- كانت هذه الفيلا مقراً لسكن د. محمد عبد العزيز إسحاق، أستاذ الأدب بجامعة فؤاد الأول، وهو الجندى المجهول فى هذه الوحدة الأفريقية، وتمت إعارته عام 1948 إلى جامعة جوردون بالسودان، وكانت الجامعة الوحيدة فى شمال أفريقيا، وبالتالى كان يتوافد عليها عدد كبير من الطلاب بالقارة، وقام بزيارة المدن بها وتفقد أحوال الناس وأسهم فى حالة من المعايشة بين الجنوب والشمال ليتحقق نوع من التنمية، وكانت لديه النزعة التحررية لهذه البلاد، وبعد عودته إلى جامعة القاهرة كان ناصر يسعى لتحقيق أحلام الثورة وعلى رأسها القومية العربية، والوحدة الأفريقية. وكان د. إسحاق له صالون ثقافى يحضره الأديب يوسف السباعى والذى رشح إسحاق لعبد الناصر للتواصل مع الحركات الثورية بالقارة، وعند وصولهم إلى مصر كان يستقبلهم بهذه الفيلا حتى امتلأت عن آخرها.

ما السر وراء تغيير مسمى الرابطة إلى الجمعية الأفريقية؟
- لم يتغير اسمها فقط، بل وظيفتها أيضاً، فعندما تُوفى الرئيس جمال عبد الناصر وتولى الرئيس السادات الحكم كان قد بدأ فى التجهيز للحرب لتحرير سيناء، وكان من شروط أمريكا حتى يتسنى لها مساعدته: طرد السوفيت، وعدم التعاون مع الاتحاد اليوغسلافى، وعدم التعاون مع الكتلة الشرقية، وأيضاً إغلاق الرابطة الأفريقية والتى كانت السبب الرئيسى فى تحرر أفريقيا، وبالفعل استجاب الرئيس السادات الذى كان مشغولاً بتحرير الأرض، وبعد محاولات وافق على أن تبقى مع تغيير المسمى لها لتصبح الجمعية الأفريقية، وتكون نواة للطلاب الوافدين والابتعاد عن الدور التحررى لها.

استعمار تطوعي!

من أهداف منظمة الوحدة الأفريقية التضامن بين الدول وسيادتها على أرضها ومكافحة التمييز العنصرى بين أبنائها.. هل تحققت هذه الأهداف ونحن نحتفل بذكرى تحريرها؟
- للأسف، حرص المستعمر على أن نظل نكن العداء لبعضنا لنستعين به مرة أخرى طواعية فى حل مشاكلنا كنوع من الاستعمار التطوعى ليكون هو الفيصل بيننا حتى فى التعاون بيننا أصبح شريكاً فيه ولم تعد لنا سيادة على أرضنا بالشكل الحقيقى فى ظل شراكاتٍ اقتصادية تثقل كاهلنا والعنصرية التى حاربها أجدادنا تعود مرة أخرى، وهذا دور الشباب الآن والذى أصبح على وعى كبير لإعادة أمجاد أجداده.

أصبحت الجمعية الآن مقراً للطلاب الوافدين.. ما الدور الذى تقومون به لتنمية وعيهم بقضايا القارة؟
- الجمعية الآن تعد مكاناً للاتحاد العام للطلاب الأفارقة باعتبارهم قيادات المستقبل، وسيكون لهم شأن بعد عودتهم إلى بلادهم، وأعتقد أنهم يعدون هذه الجمعية الركيزة التى سينطلقون منها لحذو خطى الأجداد، فمنهم من سيصبح صانع قرار، ووقتها لن يدخروا وسعاً فى عدم الاضرار بالبلد الذى تعلموا فيه.. وتسعى الجمعية إلى دعم التواصل بين الطلبة الأفارقة بمصر، والتعاون بين الجاليات الأفريقية، ونحرص على الانطلاق إلى تطلعاتٍ أكبر لدعم هؤلاء الطلاب.