د.إيهاب عبد الرحمن وكيل الشئون الأكاديمية للجامعة الأمريكية بالقاهرة:

البحث العلمى استثمار طويل الأجل

 د.إيهاب عبد الرحمن خلال حواره مع «الأخبار»
د.إيهاب عبد الرحمن خلال حواره مع «الأخبار»

انتظار النتائج السريعة «مفهوم خاطئ»

لا تنقصنا العقول.. وأزمتنا فى توفير المناخ المناسب لإبداعها
 

فجاءت إجابته جريئة وصادمة منذ البداية، حيث قال إن «مناخ البحث العلمى فى مصر، يحتاج إلى خطوات جادة لا زلنا نفتقدها، وأول هذه الخطوات أن نفهم ماذا تعنى كلمة (بحث علمى)».


وقبل أن أسأله عن تفسير لتلك العبارات الصادمة التى استهل بها حواره، قال إن «البحث العلمى عبارة عن استثمار طويل المدى وعالى المخاطر، فالبحث قد يتحول إلى  منتج بعد سنوات طويلة، ولكننا فى مصر ننتظر النتائج السريعة غدا». 


ومن بين المفاهيم الأخرى المرتبطة بالبحث العلمى، أنه «عملية تنافسية» بين الفرق البحثية حول العالم، وهو ما يتطلب تنفيذا سريعا للأفكار البحثية، يلزمه توفير كافة الإمكانيات اللازمة، وهى مشكلة يعانى منها الباحثون حيث أن توافر الخامات اللازمة لتنفيذ بعض الأبحاث قد يتأخر وصولها إلى ست شهور فى أحسن تقدير، بسبب مشاكل الجمارك (على سبيل المثال لا الحصر)، وهذا يعكس فى تقديره، غياب مفهوم قيمة الوقت فى العمل البحثي.


وترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، لم ينتظر سؤاله عن مغزاها، ليقول: «هناك قصة حدثت لى فى أمريكا أثناء إعداد رسالة الدكتوراة، أحب دوما أن أذكرها فى سياق حديثى عن الفارق بين تقديرنا لقيمة الوقت فى عمل الباحث وتقدير الغرب، حيث تعطل الحاسب الآلى الذى أعمل عليه، وعندما قمت باستدعاء مسئول الصيانة، سألنى هل تتعجل إصلاحه أم يمكن الانتظار، فقلت لنفسى وقتها أن أمامى عملا فى معمل آخر يمكن تنفيذه لحين الإصلاح بعد أيام، فقلت له، إنه يمكننى الانتظار، فكاد رده: إذن سأتناول الغذاء ثم أبدأ فى إصلاحه، فالانتظار بالنسبة له، هو وقت تناوله الغذاء، وبالنسبة لى كان أياما».


ويخلص د.عبد الرحمن من ذلك للقول: «نحتاج إلى توفير المناخ المناسب للبحث العلمي، ثم السؤال بعد ذلك عن حال البحث العلمي».
ولا يرى أن من بين ما ينقص منظومة البحث العلمى المصرية، العقول المبدعة، أو الإمكانيات المادية، وقال بلهجة متحمسة: «لدينا عقول بشرية رفيعة المستوي، بديل أنها تبدع عندما توضع فى منظومة البحث العلمى الغربية، ولدينا تحركات إيجابية فى ملف تمويل الأبحاث سواء من خلال منح داخلية يقدمها صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية بوزارة التعليم العالى والبحث العلمى وأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، ومنح من مصادر تمويل عالمية يحصل عليها الباحثون، لكن مشكلتنا فى توفير المناخ المناسب الذى يسمح بإبداع العقول».
التوازن والبحث العلمي
وعن شكوى أساتذة الجامعات من أن مهمة التدريس تأتى على حساب الوقت المخصص للبحث العلمي، قال إنها «شكوى متكررة فى الجامعات الخاصة والحكومية، لكننا نحاول فى الجامعة الأمريكية تحقيق التوازن المطلوب بين مهمة أستاذ الجامعة فى خلق معرفة جديدة عبر البحث العلمي، ومهمته فى نقل هذه المعرفة عبر التدريس للأجيال الجديدة».
واعتبر أن تحقيق التوازن بين الاثنين، هو قرار شخصى من الأستاذ الجامعى بالتنسيق مع رئيس القسم العلمى التابع له، ففى حال توفر التمويل المناسب لأبحاثه، يمكن أن يطلب تخصيص أغلب وقته للبحث العلمي، وعندما لا يكون التمويل المتوفر، يحدث العكس.
وانطلاقا من خبرته السابقة بالجامعات الحكومية والحالية فى الجامعة الأمريكية، يرى د.عبد الرحمن، أن جودة التعليم، تحتاج إلى تعريف، وتحديدا لطريقة لقياسها، حتى يمكن متابعة ما تحقق فيها.
وقال إنهم منذ سبع سنوات فى الجامعة الأمريكية قاموا بتعريف جودة التعليم بأنها «الجودة فى التدريس»، فهى الأساس الذى يترتب عليه كل شيء، انتهاء بخريج قادر على خلق فرص عمل جديدة. 
وجدير بالذكر أن فريقا من الأساتذة فى الجامعة يقوم الآن بدراسة مكملة لإعادة تعريف جودة التعليم بالجامعة وإنشاء معاملات لقياس تلك الجودة وسيقوم بتقديم نتيجة الدراسة لمجتمع الجامعة فى الفصل الدراسى القادم.
 وحتى تستطيع الجامعات الحكومية تحقيق تلك الجودة، وضع د.عبد الرحمن «روشتة» الإصلاح، والتى تبدأ بإعادة هيكلة الجامعات إلى كيانات أصغر، كأن تكون هناك جامعة متخصصة فى العلوم الهندسية، وأخرى فى الطبية، وثالثة فى العلوم الإنسانية، وذلك على سبيل المثال.
وقال: «هذا من شأنه أن يقلل من عدد الطلاب فى كل جامعة، ويمنح للإدارة فرصة اتخاذ قرارات سريعة فى صالحهم، وهذه هى أحد الدروس المستفادة من آلية عمل الجامعة الأمريكية، حيث لا يزيد عدد الطلاب بها بكل المراحل، منذ أكثر من عقد كامل، بما فيها الدراسات العليا، عن 6500 طالب».
الاستقلال المادى
كما يجب أن تكون الجامعات «مستقلة ماديا»، ولا تعتمد بشكل كبير على الدولة، وتحقيق ذلك، يأتى فى رأيه عبر عدة طرق، منها أن يكون للجامعة مواردها الذاتية عن طريق شركات منبثقة عنها، وأن يتم تقنين مجانية التعليم، بحيث يتم قصرها على الطالب المتفوق، ويدفع غير المتفوق من القادرين ماديا مصروفات الجامعة كاملة، أما غير المتفوق من الفئة محدودة الدخل، فيتم تقسيط مصروفاته الدراسية على قروض حسنة طويلة الأجل.
ويضيف: «الفكرة الأساسية من وراء ذلك، إلى جانب زيادة موارد الجامعة، هى أن المجانية لا تجعل بعض الطلاب يتعاملون مع التعليم بمسئولية كبيرة».
وعندما طلبت منه اقتراح حل عاجل نبدأ به مسيرة اصلاح البحث العلمى، ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة أعقبها بقولة: «إذا كنت تريد شيئا عاجلا، اطلب مطاعم الوجبات السريعة، نحن بصدد الحديث عن التعليم والبحث العلمي، وهذا يحتاج إلى خطة طويلة الأجل، قد لا نرى ثمارها، ولكن يراها أبناؤنا وأحفادنا».
والخطة طويلة الأجل التى يعنيها تحتاج إلى أن يكون هناك نائب لرئيس الوزراء لشئون التعليم والبحث العلمي، ويعمل معه وزراء التعليم والتعليم العالى والبحث العلمي، وكل الهيئات والجهات المعنية بالتعليم والبحث العلمي، لوضع خطة من الحضانة وحتى الجامعة.