"الإرادة السياسية" كلمة السر فى توشكى| زيادة المساحة المزروعة من 400 فدان فقط إلى 420 ألف معجزة تنموية حقيقية

زيادة المساحة المزروعة من 400 فدان
زيادة المساحة المزروعة من 400 فدان

لطالما كان للمصريين حلم بتحويل صحاري مصر الشاسعة لجنان خضراء ؛ يحققون فيها أمنهم الغذائي ويعملون من خلالها على زيادة مساحة الرقعة الزراعية والتي عانت من تجريف كبير خلال العقود الماضية.

توشكى أو "توشكى الخير" كما يُحب أن يُطلق عليها العاملون فيها، كانت شاهدة على الحلم المصري الذي تحقق خلال سنوات قليلة، حلم صاحبه إرادة وطنية نجحت في استصلاح وزراعة٤٢٠ ألف فدان بمحاصيل متنوعة في منطقة شديدة الصعوبة تقع أقصى جنوب مصر. كان الرقم يشير إلى أن حجم ما تم استصلاحه فى توشكى منذ إطلاق المشروع عام 1997 لم يتجاوز 400 فدان فقط، إلا أن المصري كعادته طوع الطبيعة والصحراء لتحقق ما يستهدفه حيث تبلغ المساحة الفعلية المزروعة اليوم على أرض المشروع بعد إعادة إحيائه منذ 2017 وحتى يناير من العام الحالى 420 ألف فدان.

ولرصد ما تحقق في المشروع القومي العملاق، كان لـ "الأخبار" جولة داخل مشروع "توشكى" وذلك من خلال الزيارة التي نظمتها إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، زيارة رأينها فيها معجزة المصريين في الجنوب حيث تحويل الصحراء الشاسعة الممتدة عشرات الكيلومترات إلى مساحات خضراء لا تنتهى.

على مدار ساعتين من الرحلة قطعت فيها الطائرة مسافة اقتربت من 1200 كيلومتر حتى وصلت إلى وجهتها، كان ما يدور في ذهني هو كيف سأجد توشكى اليوم؟ تلك التي كانت حلماً لجيلي عند بداية الإعلان عنها نهاية تسعينيات القرن الماضي ،وكان السؤال الثانى الذي تردد بداخلى هو كيف قام المصري بتحويل الـ٤٠٠ فدان إلى ٤٢٠ ألف فدان، فالفارق بين الرقمين مهول جداً.

بدأت الحصول على إجابات لأسئلتى مبكرا عندما لمحت من "نوافذ الطائرة"  مئات الدوائر الخضراء في وسط الصحراء الصفراء. وفور هبوطنا كان لنا موعد مع حلم الجنوب، فعلى امتداد البصر ترى الزراعات منتشرة في كل مكان بعد أن كانت أرضا قاحلة، إلا أن إرادة المصري صنعت المستحيل.

الشركة الوطنية

وصلنا المنطقة وسط درجة حرارة بلغت الخمسين في بعض الأحيان. استقبلنا اللواء توفيق سامي توفيق رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي مداعباً مؤكداً أننا محظوظون لأن درجات الحرارة هذه تعتبر رائعة بالنسبة لهذا الوقت من العام. ثم بدأ الرجل حديثه عن المشروع قائلاً أن كلمة السر وراء إحياء العمل في منطقة توشكى مرة أخرى تكمن في "الإرادة السياسية"، بعد أن أُهمل المشروع منذ فترة ولم يتم إنجاز المُستهدف منهُ منذ ذلك الوقت.

استمعنا لشرح عن المشروع وأهميته ومعدل الانجاز والمستهدفات المطلوب تحقيقها، موضحًا إنه في يناير 2017 تم تكليف الشركة بالاستصلاح والزراعة بالمنطقة وكان إجمالي المساحة المزروعة 400 فدان فقط وفي يناير 2024 تم الوصول بالمساحة إلى ما يزيد على 420 ألف فدان.

حلم توشكى يراود الجميع، هكذا أكد رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية، مضيفًا أنه مع تشريف الرئيس عبد الفتاح السيسي توشكى في مارس 2019 بدأت ملحمة الاستصلاح والزراعة لتصل بنا إلى ما تم إنجازه اليوم، مشيرًا إلى أنه في نهاية عام 2022 تمكنت الشركة من الوصول بالمساحة المزروعة إلى 250 ألف فدان، وفي نهاية عام 2023 تم الوصول بالمساحة إلى 420 ألف فدان أي بزيادة  170 ألف فدان خلال عام فقط.

اقرأ أيضاالقوات المسلحة تنظم زيارة إلى مشروع استصلاح الأراضي الصحراوية بتوشكى | صور

التمور من بين المنتجات الزراعية التي يقام عليها التصنيع حاليًا، وبدأنا الإنتاج الاقتصادي للمساحات المزروعة اعتبارا من أعوام 2018 و2019 و2020، بحسب ما ذكره اللواء توفيق سامي توفيق، مبينًا أنه يجرى استكمال الزراعة والجزء الأكبر لفسائل من إنتاج المزرعة وأنه اعتبارًا من العام القادم سيكون هناك فسائل لبعض الأنواع النادرة، ليتم طرحها في السوق المحلي تمهيدًا للتصدير كمرحلة تالية، مضيفا أنه أثناء توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالبدء في إنشاء مشروع التمور كان من ضمن أهدافه أن تحتل مصر المكانة اللائقة بها بين الدول المصدرة وسيكون لمصر خلال عامين أو ثلاثة أعوام مكانة تليق بها نظرًا لتميز وتنوع المنتج.

وشدد على أن الشركة لديها رؤية في كل مجالات التصنيع الزراعي بالأسلوب الحديث في الزراعة مع مراعاة تطبيق أحدث نظم الجودة، مشيرًا إلى أن عملية استصلاح الأراضي في توشكى ليست باليسيرة ولكنها تتحسن سنويًا.

جولة داخل مزارع توشكى

وفي جولة "الأخبار" داخل مزارع توشكى بصحبة رئيس الشركة رأينا حصاد القمح ومزارع النخيل والعنب والمانجو. رأينا إرادة وطنية حقيقية صممت على نجاح المشروع الذي ظل يعاني طيلة السنوات الماضية، فخلال عام واحد تغير اللون الأصفر "لون الصحاري" داخل المزرعة إلى "اللون الأخضر" وهو ما يُشير إلى أن المصريين قد تحدوا التحدي ذاته من أجل إدخال مئات الآلاف من الأفدنة إلى الخدمة من أجل زراعتها بالمحاصيل الإستراتيجية المختلفة وعلى رأسها القمح وذلك لتقليل الفجوة الاستيرادية ولتحقيق الامن الغذائي.

رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية أكد خلال الجولة أن المخطط الإستراتيجي لتوشكى يشمل زراعة محاصيل استراتيجية مهمة للدولة منها القمح والذرة وكذلك زراعات مُهمة مثل الخضار والفاكهة والبرسيم والنخيل، وزراعات لها مستقبل واعد مثل النباتات الطبية والعطرية.

ولأن الشيء بالشيء يذكر يصبح من الطبيعى عند الحديث عن الزراعة ان يتطرق الحديث عن الماء، وربما لا يعرف البعض أن المياه التي تُغذي مشروع توشكى قادمة من بحيرة السد العالي عبر ترعة الشيخ زايد ويمتد منها 4 فروع مياه، ويتم استخدام تلك المياه في تحقيق أقصى استفادة منها.

4000 مدني

أثناء جولة "الأخبار" في مشروع توشكى تحدث معنا رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية عن أهداف الشركة ومُستهدفاتها التي أنُشئت من أجلها، حيث أوضح أن الشركة تعمل على استصلاح وزراعة الأراضي الصحرواية وتقليل الفجوة الغذائية وخلق فرص عمل للشباب وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة.

وأوضح خلال جولتنا داخل مزارع توشكى الممتدة على امتداد البصر، أن هُناك ما يزيد على 4000 مدني يعملون داخل الشركة، نصفهم في مشروع توشكى، بجانب المئات من العمالة غير المباشرة في مهن وصناعات مرتبطة بمشروعات الشركة الزراعية المنتشرة في ربوع مصر.

وفي ختام حديثه، وجه رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على المتابعة المستمرة والدقيقة لتفاصيل الأعمال والشكر أيضًا للقيادة العامة للقوات المسلحة على الدعم الكامل والمتابعة والإشراف المستمر وتذليل كافة الصعاب وتوفير كل ما يلزم لتنفيذ المهمة على أفضل ما يكون.

البطل الحقيقي

ولأن البطل الحقيقي في هذا المشروع القومي العملاق هى الأيدى العاملة، فكان لـ "الأخبار" لقاءات مع العاملين في المشروع يحكون فيها قصة نجاحهم في تحويل الصحراء إلى جنان خضراء.

أوضح "بخيت جرجس ميخائيل" أحد العاملين في المشروع أنه يقوم بزراعة النخيل وحصاد البلح بالإضافة إلى زراعة عدد من الأصناف الأخرى حسب موسم الزراعة الخاص بها. وأضاف ابن محافظة أسيوط أن الشركة توفر له كافة المتطلبات الإدارية والمعيشية التي تساعده على تأدية عمله بدقة وإتقان.

فيما قال ممدوح أحمد محمد أنه يعمل بالشركة منذ عام ١٩٩٨ في مزرعة شرق العوينات، وكان من ضمن المستدعين إلى توشكى للمساهمة في تحقيق الحلم بتحويل الصحراء إلى مناطق خضراء مزروعة. وكشف أنه تم زراعة ٥٠٠ ألف فدان قمح في منطقتى توشكى وشرق العوينات في الموسم الحالي وأن متوسط إنتاجية فدان القمح من ١٨ إلى ٢٠ أردبا وهي نسبة جيدة في تلك المنطقة موضحا أن الشركة لديها هدف بأن تصل إنتاجية الفدان لتصل ٢٤ أردب قمح للفدان الواحد.

من جهته، قال المهندس الحسين عبد الرحمن أن مشروع توشكى يوجد به ٢٧ ألف فدان نخيل بواقع ٢.٦ مليون نخلة تم زراعة ١.٦ مليون منها ومليون نخلة سيتم زراعتها قريبا. وأضاف أن هناك أكثر من ٣٠٠٠ عامل يعملون في مزرعة النخيل في توشكى كاشفاً أن هناك تعاونا كبيرا مع وزارتي المياه والزراعة لتحقيق أفضل إنتاجية بجودة عالية بأقل كمية مياه.


"سعيد للغاية بالعمل في مشروع النخيل"، بهذه العبارات بدأ رمضان محمد على، من محافظة الأقصر حديثه معنا، قائلًا أنه يعمل بالمشروع منذ ٦ أعوام، معتبرًا أن المشروع أسهم بشكل كبير في تحسين وضعه المادي وساعده للإقبال على الزواج وتكوين الأسرة.

من جانبه، أكد سيد أبو بكر حسين، من محافظة الأقصر أيضاً، أن مزرعة النخيل في توشكى تعد أكبر مزرعة نخيل مزروعة في مساحة واحدة في العالم، حيث تضم 2.5 مليون نخلة على مساحة 38 ألف فدان، وجميع الأصناف المزروعة فيها ذات عائد اقتصادي مرتفع، وهي أصناف عربية منها على سبيل المثال "المجدول والبارحي والخلاص والسكري والعنبرة وعجوة المدينة والصقعي ونبتة سيف والشيشي والشبيبي".

ومن مزرعة التمور إلى مزرعة المانجو التي تزهر بثمار المانجو المختلفة، يقول المهندس عبد السلام أحمد، يبلغ من العمر ٣٤ عامًا، من محافظة أسوان ومسئول عن انتاج المانجو بالمزرعة: إنه أول مرة يتم زراعة أصناف أجنبية من المانجو في مصر، وأن هناك ما يقرب من 4 أصناف أبرزها شيلي وتم زراعته على مساحة 32 فدانًا.

ومن داخل مزرعة العنب، يوضح المهندس محمد طارق البالغ من العمر ٢٩ عامًا من محافظة القاهرة، أن مزرعة العنب مكونة من ٦ أصناف على مساحة ٢٠٠ فدان، وتم إنتاج من ٦ إلى ٧ أطنان في الفدان الواحد والزراعة ملائمة جدًا لظروف إنتاج العنب، مما يسرع في عملية الإنتاج، كما أن عملية تسويق المنتج تتم تمهيدًا للاستهلاك المحلى بعد عملية الإنتاج.

يعد مشروع توشكى من أهم المشروعات التى يجرى تنفيذها فى القطاع الزراعي، وهو أحد مشروعات الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية ويوجد به أكبر مزرعة تمور فى الشرق الأوسط، من حيث عدد النخيل وأجود أنواع التمور مثل المجدول والبارحي، إلى جانب المساحات المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية، مثل القمح والخضر والموالح والمانجو، وقد أثبتت التجارب أن الإنتاجية فى توشكى عالية وتبشر بالخير.