طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار

الناقد الفني طارق الشناوي
الناقد الفني طارق الشناوي

بمجرد أن تدير مؤشر الراديو على موجات “إذاعة الأغاني”, نجد اسمه يتردد مع كل أغنية من أغنيات عمالقة الطرب, فهو جراح القلوب الذي يداويها بكلماته الساحرة، وصاحب مدرسة السهل الممتنع في الشعر الغنائي.. هو الشاعر مأمون الشناوي الذي ترك إرث غنائي عظيم وعشق لبلاط “صاحبة الجلالة”.. من خلال هذا الحوار يفتح الناقد الفني طارق الشناوي صندوق الذكريات ومن بين صورة وأخرى يعود للماضي لاستحضار ذكرياته مع عمه الشاعر الغنائي مأمون الشناوي, وكيف تأثر بأعماله، وكيف نظر إليه كناقد, كما يشاركنا برؤيته حول مدى أهمية إرث الشناوي في الثقافة المصرية المعاصرة وكيف يستمر في الإلهام والتأثير على الأجيال الجديدة.

◄ كيف ترى دور مأمون الشناوي في تطوير الشعر الغنائي؟ وتأثيره على الأجيال الجديدة من الشعراء؟

مأمون ظهر كشاعر غنائي بعد أثنان من عمالقة الشعر، وهما أحمد رامي وبيرم التونسي، وتمكن من وضع بصمته الخاصة بإحساس ومفردات مختلفة، وتنوعت موضوعاته بين الحب والغزل والفراق والأغنية الوطنية، مما أعطى الأغنية العربية بعدا أعمق وأغنى, واستخدم لغة شعرية بسيطة لكنها مؤثرة، فكانت أغانيه قريبة من الناس ومفهومة, فلم يكن يكتب لمجرد أن الكتابة مطلوبة منه, على سبيل المثال في الأفلام التي تحتوي على مواقف غنائية، كان لابد وأن يتعايش مع التجربة الدرامية قبل أن يبدأ فى الكتابة، أما في الأعمال الغنائية مثل أغنية “بعيد عنك” كان يستمد الإلهام من إحساسه العميق بالحب وكأنها رسالة موجهة لمن يحب, والمثير في هذه الأغنية أن عمي اعتبرها رسالة لمن يحبها، بينما اعتبرها بليغ حمدي رسالة لوردة.

◄ هذا يجعلني اسألك عن طريقته في كتابة الشعر, هل كان يتبع أسلوبا معينا أم كان يعتمد على الإلهام اللحظي؟

لم يكن يرسم أو يخطط مسبقا لأغانيه، بل كانت تخرج منه بشكل طبيعي، فتأتي من إلحاح الفكرة عليه وليس العكس, ولم يكن يلح على الأفكار, بل كانت الأفكار هي التي تلح عليه.

◄ ماذا عن دوره وتأثيره في إعادة صياغة الفلكلور والأغنيات الشعبية؟

كان له دورا كبيرا في إعادة صياغة الفلكلور والأغنيات الشعبية وتقديمها بأسلوب عصري، يجمع بين الحفاظ على جوهر الأغنية الشعبية والأصالة، مع تحديثها لتناسب العصر والجمهور الحديث, ففتح أفقًا جديدة لإعادة استقبالها وفهمها, على سبيل المثال أغنية “العتبة جزاز” التي تعاون فيها مع فرقة رضا، وكان هدفهم نقل النبض الشعبي بطريقة تحافظ على جوهره الثقافي والتاريخي، وفي نفس الوقت يجسد التحولات والتطورات السياسية والاجتماعية, فأخبرني عمي عن أغنية “العتبة جزاز”أنه كتبها بعد هزيمة 1967، وكانت ذات بعد سياسي وثقافي تعكس المشاعر والتحديات التي مرت بها مصر في ذلك الوقت. 

◄ كيف أثرت كلمات مأمون الشناوي على نجاح أم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش وغيرهم من نجوم الغناء؟

بالتأكيد كانت لكلماته أثر كبير على نجاح العديد من نجوم الغناء، فساهم في بنائهم الغنائي بكلماته التي تتمتع بالبساطة وتحمل عمق فلسفي وثقافي وأسلوب يتميز بالجمال والرقي, فكتب أغنيات تحمل رسائل وطنية وسياسية، مما ساعد المطربين على تقديم أداء معبر ومؤثر يلامس مشاعر الجمهور, مثلا قدم مجموعة متميزة من الأغنيات لعبد الحليم حافظ مثل “حلو وكداب”, “صدفة”, “عشانك يا قمر”, “لو كنت يوم أنساك”, وغيرها، وأيضا كان مع نجاة الصغيرة منذ البداية وقدم لها أغنيات كانت بمثابة نقلة فنية في حياتها, وعلى نفس المنوال مع باقي نجوم الطرب.

◄ كيف بدأت العلاقة الفنية بينه وبين أم كلثوم؟

بدأ التعاون الغنائي بينهما بشكل غير تقليدي, عندما كتب أغنية “حبيب العمر” في البداية لأم كلثوم, لكنها طلبت إجراء تعديلات عليها، مما دفعه لرفض الطلب وإعطاءها لفريد الأطرش, وتكرر نفس الأمر مع أغنية “الربيع”, حيث طلبت تعديلها، فرفض الشناوي مجددا وأعطاها للأطرش, واستمر هذا النمط مع عدة أغنيات أخرى، حتى كتب أغنية “أنساك”, وعندما عرضها عليها أخبرها أنه موافق على أي تعديل, إلا أنها فاجأته بقولها “ولا تعديل”, وغنتها كما هي, من هنا انطلق تعاونهما المثمر الذي نتج عنه 3 أغنيات ناجحة، هي “كل ليلة وكل يوم”, “بعيد عنك”, و”دارت الأيام”.

◄ كيف كان يصف مأمون أسلوب عبد الحليم حافظ في تقديم كلماته؟

كان يرى أن عبد الحليم من أصدق الأصوات ولديه قدرة استثنائية على التعبير والوصول إلى الجمهور, وكان دائما يقول إنه يشبه “الجريدة واسعة الانتشار.. وعندما يغني كلماتي فهو ضمان لانتشارها الضخم”, وعندما توفى سألته بماذا ترثي عبد الحليم, فأخذ من أغنية “في يوم من الأيام”, وقال:”أنا كنت هواه وحبيبه, روحي وقلبي حواليه, لو كان الدمع يجيبه, كنت أبكي العمر عليه”.

◄ ماذا عن الخلاف الذي وقع بينهما؟ وكيف تم الصلح؟ 

أتذكر ذات مرة حكى لي عن مشكلة وقعت بينه وبين عبد الحليم حافظ, ففي الستينيات كان هناك توجه لتطبيق قانون حق الأداء العلني الذي ينص على أن الكاتب والملحن لهما نسبة من عائد الأرباح بناءً على إذاعة الأغنية أو إصدارها على كاسيت أو أسطوانة, لكن عبدالحليم بصفته صاحب شركة وليس كاتبا أو ملحنا اعترض على هذا القرار، مما أدى إلى خلاف وتوقف التعاون بينهما, رغم أن مأمون قدم له العديد من الأغنيات الرائعة.

لاحقا, وفي عام 1970 كتب عمي أغنية “ودارت الأيام”، وأعطاها لمحمدعبدالوهاب, الذي اقترح بدوره أن تغنيها أم كلثوم, وبالفعل لحنها وقامت هي بالغناء, لكن بعد ذلك غناها عبدالحليم من فرط حبه لها، في تسجيل بفرقة موسيقية، والفيديو موجود بالألوان لغنائه, وقبل رحيله زار عمي وطلب منه أن يعودا للعمل معا من جديد.

◄ بالنسبة للموسيقار محمد عبد الوهاب, كيف كان التأثير المتبادل بين الشاعر والملحن في هذه العلاقة الفنية؟

قبل العلاقة الفنية كانت بينهما علاقة صداقة قوية ومميزة, وكان مأمون حريص على الاتصال به كل صباح, ويتبادلان النكات والمزاح, فتميزت العلاقة بخفة الدم والمرح إلى جانب الحب والاحترام المتبادل، وكان هناك تعاون فني مشترك بينهما وبين عدد كبير من المطربين آنذاك, وتعاون تميز بالتناغم والإنسجام الفني بين أسلوب شعري فريد وقدرة على صياغة جماليات الكلمات وتجسيد المشاعر من خلال اللحن, واسهم في إنتاج أعمال موسيقية استثنائية حتى أصبحت تلك الأعمال من الكلاسيكيات في تاريخ الموسيقى العربية.

◄ ماذا عن صدمته بعد وفاة أسمهان؟ وكيف تخطى تلك الصدمة؟

رحيل أسمهان المفاجئ شكل صدمة كبيرة للجميع وأثار مشاعر مختلطة من الحزن والأسى, وكان وقعه شديد على عمي, وقبل الحادث كانت بصدد تصوير فيلم “غرام وانتقام”, وقامت بتسجيل أغنيتين من كلمات الشناوي، هما “أمتى هتعرف” من ألحان محمد القصبجي, و”أهوى” من تلحين فريد الأطرش، ووقتها اختارت أسمهان مأمون لكتابة الأغنيات بعد أن خيروها بين أسماء كبيرة من الشعراء مثل أحمد رامي وبيرم التونسى وبديع خيري, إلا أنها اختارت مأمون بالرغم من أنه كان في بداياته, ويعتبر هو آخر عمل فني لها قبل رحيلها، ولم تكمل التصوير، إلا أن الأغنيات تم تسجيلها.

◄ اقرأ أيضا | طارق الشناوي: «محمد سعد دخل التاريخ.. ودي مشكلته الوحيدة»  

◄ كان لمأمون دور في اكتشاف عدد من نجوم الغناء والشعر, حدثنا عن قصة الرسالة التي كتبها الشاعر سيد مرسي للخادمة وكانت سبب في اكتشافه؟

في ذلك الوقت, كان سيد مرسي يعمل “مكوجي”، ووقع في غرام خادمة لدى مأمون, وكان يرسل لها رسائل غرام وعتاب, ولم يتصور أبدا أن تتحول تلك الكلمات إلى أغنية معروفة, وذات مرة وجد عمي قصاصة ورق في جيب بدلته تحتوي على بعض الكلمات، وهي “على الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين, ليه تنسى بالمرة عشرة بقالها سنين”, ولأنه شاعر كبير أدرك أن تلك الكلمات تحمل معاني عميقة وتعبر عن المشاعر بصدق, طلب مقابلة سيد مرسي وسأله “من كتب تلك الكلمات؟”, وأجاب مرسى بأنها له ولديه المزيد منها, فطلب من التواصل مع الموسيقار محمود الشريف, ومن هنا بدأ مشوار سيد مرسي في عالم الفن.

◄ ما حكاية “بنت الجيران” التي كانت سببا في اتجاهه لكتابة الأغنيات؟

عندما وقع في حب بنت الجيران، كان الراديو وقتها اختراع جديد, وكان لديه موهبة في الشعر، ففكر في استخدامه كوسيلة ليعبر عن حبه لها, فكان يكتب الأغنيات التي تعبر عن إحساسه ويرسلها لصديقه المطرب محمد صادق، الذي كان يغني في إحدى الإذاعات الأهلية المملوكة لوالدها، وهكذا تحول اتجاهه لكتابة الأغنيات، وبدأت قصة الحب التي أنتهت بالزواج.

◄ يعتبر مأمون أحد مؤسسي جريدة “أخبار اليوم”, حدثنا عن علاقته بمصطفى وعلي أمين؟

كانت هناك علاقة قوية تجمع بين مأمون والأخوين مصطفى وعلي أمين، فقد كانوا زملاء في مدرسة “الخديوي إسماعيل”, وكانت المدارس في ذلك الوقت تهتم كثيرا بحصص الموسيقى والفن التشكيلي, إلا أن الثلاثة – مأمون ومصطفى وعلي – لم يكن لديهم أصواتا جميلة، لذلك كان يتم طردهم من حصة الموسيقى، ومع مرور الوقت، أصبحوا من أقرب الأصدقاء، وبدأوا معا مشوارهم في بلاط “صاحبة الجلالة”.