مصالح متبادلة وفرصة لتحقيق المنفعة المشتركة..

عهد جديد للعلاقات العربية - الصينية بعد ٢٠ عامًا من التعاون المشترك

الرئيس السيسي والرئيس الصيني وعدد من القادة العرب في افتتاح أعمال المنتدى العاشر
الرئيس السيسي والرئيس الصيني وعدد من القادة العرب في افتتاح أعمال المنتدى العاشر

بخطى سريعة دون توقف يسير قطار التعاون الصيني العربي الذي انطلق منذ يناير عام ٢٠٠٤ من محطة الجامعة العربية بالقاهرة لتحقيق مصالح وتطلعات الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها من القطاعات الحيوية التى تهم شعوب الدول العربية، حيث مثّل إنشاء منتدى التعاون العربى الصينى طفرة حقيقية فى تاريخ العلاقات بين الدول العربية والصين وقصة نجاح حقيقية في التعاون الدولي متعدد الأطراف، وساهم المنتدى في وضع هذه العلاقات فى إطار مؤسسى شامل، يمكن الجانبين من متابعة تطورها وإمكانياتها المستقبلية الواعدة.

وجاء تدشين منتدى التعاون العربي الصيني فى ظل ما يشهده العالم خلال العقدين الماضيين من تغيرات جيوسياسية مستمرة وغلبة للمعايير المزدوجة والممارسات الأحادية من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات الأممية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى وغيرهما من المؤسسات المعنية بحفظ الأمن والاستقرار والسلام في دول العالم أجمع.

كما أن الدول العربية سعت خلال العقد الماضى وبصفة خاصة بعد ثورات الربيع العربى إلى بناء تحالفات سياسية خاصة بعد أن ثبت لها أن سياسة الحليف الواحد غير مناسبة فى ظل ما يشهده العالم من تغيرات وتنافس جيوسياسى بين الولايات المتحدة والصين وسعت الدول العربية إلى صياغة مسارات جديدة فى تعاونها الدولى والإقليمى والتركيز بصورة أوضح على التحالفات الاستراتيجية المتنوعة والدبلوماسية الاقتصادية وتأسيس شراكات اقتصادية جديدة مع القوى الكبرى فى العالم وعلى رأسها الصين وروسيا فى ظل غياب دور الولايات المتحدة فى حل العديد من أزمات الشرق الأوسط والمنطقة العربية ودعم القضايا العربية على المستوى الدولي، فى ظل ما تشهده بعض الدول العربية من اندلاع نيران مشتعلة بلا توقف منذ أكثر من ١٠ سنوات سواء فى اليمن أو سوريا أو ليبيا أو العراق وبالتأكيد الأزمة الأهم والأبرز حالياً على الساحة العربية والإقليمية والدولية وهى العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة والذى تلعب الصين فيه حالياً دوراً إيجابياً عكس الدور الأمريكى الداعم والمساند لإسرائيل.

وجاء انعقاد الاجتماع الوزارى العاشر لمنتدى التعاون العربى الصيني، الذى استضافته العاصمة الصينية بكين في ٣٠ مايو الماضى -والذي حضره الرئيس عبدالفتاح السيسي وقادة وزعماء دول الإمارات العربية المتحدة وتونس والبحرين والرئيس الصيني شي جين بينج والأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزراء خارجية دول العالم العربي- فى وقت تحتاج فيه الدول العربية إلى الدفاع عن مصالحها وإيجاد حلول لقضاياها وأزماتها المشتعلة وتحقيق تطلعات شعوبها فى السلام والاستقرار والتنمية في ظل ما كشفته الأزمة الحالية فى قطاع غزة من تخاذل وعجز دولى وازدواجية فى المعايير وغياب العدالة والإنصاف من المجتمع الدولى ومؤسساته الأممية المعنية بتطبيق القانون الدولى والإنسانى والوقوف عاجزة عن حماية أبناء الشعب الفلسطينى الأعزل فى قطاع غزة من حرب الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل ضد سكان القطاع وسياسة التجويع ضد أبنائه، حيث أكدت الصين على دعمها الثابت للقضية العادلة للشعب الفلسطيني، ولحقه فى تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 67، وعاصمتها القدس الشرقية وضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار والاعتراف بدولة فلسطين وحصولها على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.

كما تتطلع الدول إلى استمرار الدور الصينى الداعم للقضية الفلسطينية وبالأخص كونها عضواً دائم العضوية فى مجلس الأمن، فى تعزيز الإجماع الدولى حول حل الدولتين وتحويله إلى واقع عبر مسار موثوق لا رجعة عنه لإنشاء الدولة الفلسطينية خاصة فى ظل الدعوة التى أعلنها الرئيس الصينى خلال المنتدى إلى عقد مؤتمر دولى للسلام يركز على إنهاء الحرب فى قطاع غزة، والتعهد بتوفير المزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتقديم دعم مالي لوكالة الأونروا لتوفير المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.

ولم يتوقف الدور الصينى على صعيد القضية الفلسطينية عند تلك الخطوات بل انخرطت الصين ولأول مرة فى الملف الفلسطينى بعد أن استضافت بكين خلال الأسابيع القليلة الماضية اجتماعات لحركتى «حماس» و»فتح» الفلسطينيتين وإجراء محادثات لتعزيز المصالحة بين الفلسطينيين، لتكتب الصين خطوة جديدة لها فى سياسة الوساطة الدبلوماسية التى بدأتها فى عام 2023 بعد أن نجحت فى الوساطة بين السعودية وإيران لحل القضايا الخلافية بينهما والوصول إلى اتفاق تاريخى لعودة العلاقات الدبلوماسية، كما تدخلت مؤخراً بكين فى جهود الوساطة لأزمات دول منطقة الشرق الأوسط، بما فى ذلك سوريا واليمن وغيرهما من القضايا الإقليمية الساخنة لإيجاد حلول سياسية واحتواء الأزمات القائمة فى المنطقة العربية وتسويتها سلمياً وخفض التصعيد، كما يقدر الجانب العربى سياسة الصين القائمة على احترام سيادة الدول العربية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها ورفض التدخلات الخارجية، كما يأتى ذلك فى ظل الدعم السياسى الصينى العربى المتبادل للقضايا والملفات المشتركة بين الجانبين فى المحافل الدولية والإقليمية حيث يؤكد الجانب العربى على مواصلة التزامه الثابت بمبدأ الصين الواحدة.

وفى ختام فعاليات المنتدى العربى الصينى فى بكين أعرب الجانبان عن القلق العميق إزاء الصراع الذى طال أمده فى قطاع غزة، والذى أدى إلى أزمة إنسانية، وأكدت الصين والدول العربية، على دعم عضوية فلسطين الكاملة فى الأمم المتحدة، والعمل بثبات من أجل التوصل إلى تسوية مبكرة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

كما اعتمد المؤتمر الوزارى العاشر لمنتدى التعاون الصينى - العربى إعلان بكين وخطة تنفيذ المنتدى 2024-2026، وبيانا مشتركا بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية، كما وقعت الصين أيضا خلال المؤتمر عددا من وثائق التعاون الثنائى ومتعدد الأطراف مع الدول المشاركة والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

واستعرض (إعلان بكين) التوافق المهم والتقدم المحرز فى تنفيذ نتائج القمة الصينية- العربية الأولى التى عقدت فى مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية والتى كانت نقطة تحول تاريخيّة ونقلة نوعية فى مسيرة التعاون المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث دشنت القمة بداية مرحلة مهمة في تاريخ العلاقات بين الدول العربية والصين فى ظل ما أسفرت عنه تلك القمة من مخرجات وتوافقات يسعى الجانبان لتنفيذها لتحقيق مصالحهما المشتركة، ولم تكتف الصين بعلاقاتها الدبلوماسية والدعم السياسى المتبادل بين الجانبين بل حقق التعاون الاقتصادى والتجارى طفرة غير مسبوقة ووجود آفاق واعدة وكبيرة بين الدول العربية والصين، والتى قفز حجم التبادل التجارى بينهما من 36.4 مليار دولار عند تأسيس المنتدى فى عام 2004 إلى نحو 400 مليار دولار عام 2023.

وأخيراً المتابع لمسار قطار العلاقات العربية الصينية يجد أنه يتحرك للأمام ويسير بخطوات سريعة بلا توقف سياسيا واقتصاديا وفى كافة مجالات التعاون بين الجانبين فى ظل رغبة مشتركة من الصين والدول العربية على تحقيق مصلحة الشعوب العربية والشعب الصينى وتعزيز بناء مصير مشترك ومواصلة دعم بعضهما البعض فى المصالح والقضايا الأساسية.