يوميات الاخبار

تعويض عن ذهب الأسنان !

د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران

اليهود يطالبون الحكومة الألمانية أن تدفع لهم مقابلا لذهب أسنان الضحايا اليهود فى الهولوكوست

استطاعوا أن يوظفوا الإعلام الغربى لقضاياهم الباطلة ونحاول نحن- العرب- فى توظيف الإعلام الغربى لشرح قضايانا العادلة وجاءت مآسى غزة لتوقظ الضمير العالمى ويصحو الهاجس الإنسانى الفطرى الذى يقول : هذا حق وهذا باطل ، لقد ابتزوا العالم بماحدث معهم فى الهولوكوست فأرادوا تجريبه مع أهل غزة؛ فبعد أن جعل اليهود ألمانيا تدفع لهم مليارات الماركات جزاء ما فعله هتلر فى مرحلة النازية- على حد زعمهم- فتحوا الحسابات السرية فى بنوك سويسرا واستطاعوا أن يأخذوا هذه الأموال لحساب إسرائيل وأرباحها أيضا، لكن الجديد الذى فاجأنى فى زيارتى الأخيرة لألمانيا أن اليهود يطالبون الحكومة الألمانية أن تدفع لهم مقابلا لذهب أسنان الضحايا اليهود فى الهولوكوست مفترضين أن الملايين الستة- وبالمناسبة فالرقم مقدس ولا يجوز قانونيا أن يشكك فيه مشكك وإلا فعقابه القانونى فى كل أوروبا السجن وما مصير جارودى ببعيد- هذه الملايين من اليهود الضحايا على حد زعمهم لا شك أن بعضهم كان يعانى من تسوس أسنانه ثم قام بتغطية أسنانه أو بعضها بالذهب فأين ذهب الذهب بعد الحرق؟ أخذه أعوان هتلر.. إذن على ألمانيا أن تدفع تعويضا آخر لإسرائيل مقابل الأسنان المنخورة بالسوس والمطلية بالذهب؟ وتشكلت لجان هنا ولجان هناك لبحث الأمر وكل مسئول ألمانى يخاف على نفسه من آلة الإعلام اليهودية الجهنمية لكن بعض الكُتاب جأروا بالشكوى ، وقالوا لأول مرة بلغ اليهود فى مطالبهم التى لا تنتهى حد الزبى، والأعجب من هذا وذاك أنه بعد نقل العاصمة الألمانية من بون إلى برلين صمم اليهود على بناء رمز يذكر بمحارق اليهود أمام مبنى الرايخستاج «مبنى البرلمان» فى حديقة جميلة حتى يرى كل زائر هذا الرمز القبيح فهو عبارة عن قواعد خرسانية تمتد منها أعمدة مشكلة متاهة، وحاولت الحكومة الألمانية أن ترجئ المشروع لكن الأصوات الإعلامية اليهودية توعدت الجميع فوافقوا على مضض لكن هذا وذاك لم يستطع أن يوقف موجة الغضب المتزايد لدى الألمان ضد الصهيونية فقد قام بعض الشباب بحرق المقابر اليهودية وجأر اليهود بالشكوى لحرق المقابر اليهودية، ففى ألمانيا تيار بدا ينمو بين الشباب يريد أن يتخلص من عقدة الذنب قائلا: على افتراض أن ما حدث قد حدث فأجدادنا جيل ونحن جيل لا ينبغى أن يرث عن الآباء والأجداد ما ارتكبوه ويكفى ما دفعنا لإسرائيل؛ وعندما مات رئيس رابطة اليهود الألمان أوصى بدفنه فى إسرائيل. بيد أن الأقلام اليهودية لم تشأ أن تنمو هذه الجبهة وتتعالى أصواتها فبدأت منذ فترة بالتحذير من معاداة السامية وهى شماعة لتعليق كل من يخالفهم الرأى وبدأت الأقلام تعزف على هذا النغم وحذروا كل من يفكر فى التحدث ضد الصهيونية وامتدت أقلامهم فى كل الإعلام الغربى بشاطئيه الأوربى والأمريكي..ومن عجب أن إسرائيل تقتطع الآن جزءا من عائدات نفط العراق لأنها أضيرت فى حرب الخليج هذا من جهة ومن جهتنا نحن العرب فإن كل الجوامع والبيوت والمستشفيات والمدارس والقرى والمدن التى حطمتها إسرائيل للعرب والمسلمين عبر خمسين عاما أو يزيد لم نحوّل شاهدا واحدا من هذه الشواهد إلى مزار عالمى كما فعلت إسرائيل فى «داخاو» وغيرها حيث تذكر العالم ليل نهار بما فعله النازيون بهم. لماذا لا نفعل نحن ما هو حق وواجب؟ لماذا لا نقيم متحفا واحدا فى بقعة فى الوطن العربى لجرائم الصهيونية؟ لماذا لا نقدم أفلاما تسجيلية عن هذه الجرائم؟ عن مقتل الأسرى على أيديهم، عن تعذيبهم قبيل القتل، عن قانا عن مدرسة بحر البقر، عن محمد رامى جمال الدرة، عن صبرا وشاتيلا عما يحدث فى غزة... وعن... عن العنعنة التى لا تنتهى.
رجل الدول المخلص
فى حياة الشعوب والدول قادة وهبَهم اللهُ الحكمةَ والإخلاص والعلم فأداروا ما كُلِّفوا به على أكمل وجه فصاروا قدوة الشباب ومثَلًا يُضرب به فى التضحية والتخطيط المستقبلى والانتماء وتركوا آثارهم الطيبة النافعة تدل عليهم؛ ومِن هؤلاء اللواء صفوت شاكر الذى عرفتُه عندما عُيِّنَ محافظا لمحافظة قنا، جاء الرجل الذى رأيناه فى الشارع يجوب المحافظة مراكزها ومُدنها وقراها يستمع فى إنصات لامرأة عجوز تشكو إليه مشكلة ما هامسة فى أذنه وسرعان ما يصدر قراراته بتلبية مطلبها، صار صديق العمال والفلاحين والبسطاء الذين يوقفونه فى جولاته التى يمشى فيها دون حراسة لأنه صار واحدًا من أبناء المحافظة، يذهب إلى جامعة جنوب الوادى بقنا يتحدث مع الطلاب بطلاقة لسان وفصاحة بيان وصدق إنسان فأحبوه لأنه صار أبا وقدوة لهم..
الأبنودى وصفوت شاكر
 فى هذه الفترة كنت وكيلا لكلية الآداب بقنا وكانت الأنشطة الثقافية ولاسيما الأدبية تتم تحت رعايته، ما طلبنا منه مساعدة لطلاب أو لنشاط إلا كان ملبيا، أتذكر عندما دعوتُ الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى استقبله فى مكتبه وجال به المحافظة ليعود الأبنودى معجبا بهذا المحافظ ويقول هذا فى أمسيته الشعرية التى حضرها اللواء صفوت شاكر وقال مقطوعات شعرية ليمازحه الأبنودى : «أُمَّالْ خلّيت لينا إيهْ يا سيادة المحافظ؟» صار صديق الشعراء الذين حضروا مهرجان شعر العامية الأول بالجامعة، يحضر الندوات والأمسيات يشارك فى الحوار منصتا للآخرين، يترك سيارته ليركب الأتوبيس معنا فى طريقنا من قنا إلى الأقصر لنحضر حفلا أقيم بمعبد حتشبسوت منددا بالإرهاب والتشدد، وللتاريخ فقد خطط لمحافظة قنا تخطيطا فيه استدامة وأرسى خططها ورسم مستقبلها ليكمل مَن جاء بعده فهو الذى اتخذ المحافظة بيتا له، يشجع الشباب على تعلّم حِرفة ثم يقيم لهم معارض لبيع منتجاتهم، يصلى فى مسجد سيدى عبدالرحيم القنائى ؛ فيأمر بتطوير المسجد والميدان، يفتتح بعض المصانع فى مراكز المحافظة، يتجول فى شوارع القرى غير مبال بحرارة الشمس الحارقة ولا بغبار الطرق والرياح؛ عندما اجتاحت السيول بعض الأماكن بالمحافظة كانت قدماه تغوص بالطين حتى يصل للمحاصَرين بفعل المياه الجامحة يقدم لهم الخيام والمأكل والملبس، يفتتح مصانع الأسمنت ويبنى العمارات للشباب ويدشن أضخم ترسانة نيلية بحوض النيل، وينشىء مركز المعلومات وحديقة الطفل ويوصل المياه النقية لمعظم القرى والنجوع، يحاول تحويل قنا إلى مركز صناعة الدواء بقفط وينشىء مركز صناعة الأخشاب والأقمشة ومصنع الورق وترسانة إصلاح السفن ومصنع الغازات السائلة وغير ذلك ، ويعمل على أن تكون المحافظة وجهة سياحية وليست معبرا للقوافل السياحية.
فى النهايات تتجلى البدايات
ياحاديَ الرَّكْب
قفْ بالديارِ وسلْ لي عن ديارِهمُ        
عَلَّي قُبيلَ الموتِ أسمعُ منكَ ذِكرهمُ
وربما ظفرت عيني برؤيتهمْ
أو هاتفٌ يأتي إنْ حِيلَ مابيني وبينهمُ
أوْ عُدتَ يا هذا تُبشّرني :رأيتُهمُ
وقل لهمُ :
في سَكْرةِ الموت قد ردَّدْتُ اسمَهُمُ    
ناديتُ :أيْنَهُمُ
ما قالَ لي أحدٌ مكانهمُ
ناديتُ :أينهمُ
أصداءُ صوتي في الصحراءِ قالتْ لي كأنَّهمُ
رحلوا وما عادوا ، فلَيْتَهمُ ........
زرعتُ روحي نخيلاً في ربوعهمُ
فكيف بي اليوم قد جاؤوا ليلتهموا ؟!
زرعتُ روحي غصوناً في سحابتهم
فساقني الـمُزْنُ أمطاراً بحيّهمُ
وقيل : هيَّا تيمَّمْ وسْطَ بحرِهمُ
كيفَ التّيَمّمُ في بحرٍ أهيم بهِ
والماءُ عشقي وهذا الشوقُ نحوَكمُ
أنشدتُهم شعري وأوردتي
عشقوا القصائدَ ،مِن قَوَّالها سئموا
ياليتهم عرفوا : أن القصيدة ذاتي وَهْي ذاتُهمُ
قالوا : الرحيلُ غدا ، ودمعٌ في الخدود جرى
وراح الظلُّ ، لم يتبق من كلِّي سوى بعضي
وكُلِّي صارَ بعضَهُمُ
إذا وَلَّوْا يُوَلِّي القلبُ شطرَهُمُ
يا حادي الرَّكْبِ عرِّجْ نحو حيّهمُ، وحَيِّهِمُ
وقلْ لهمُ :ليتَ الغمامَ يسوقُ المزن صَوْبَهُمُ
وقل لهمُ: الروحُ إن بَعُدَتْ دوْما بحيِّكمُ
ياحادي الرّكبِ كَفْكِفْ لي دموعَهُمُ
وقل لهمُ : البَيْنُ مهما طالَ بالأشواقِ يلْتَئِم
وقل لهمُ :إذا غبتمْ ففي عيني لكمْ سكَنُ
وإن جئتُمْ ففي قلبي لكم وطنُ
وقل لهمُ :تلظَّى القلبُ بعدكُمُ
 حياتي بَعْدَكُمْ عدمُ
وقل لهمُ : يميناً ما نسيتُكُمُ    
تناءت دارُكُمْ عَمْداً
فليت ديارَنا لِدِيارِكُمْ غِيَمُ
يميناً مالكم في القلب من شَبَهٍ
ولا بدلٍ ولا عِوَضٍ وذا قَسَمُ
وقل لهمُ :لعلَّ اللهَ يجمعُ عاشقاً بكُمُ
أخذتمُ ُ العقلَ بعد القلب ويْحَكُمُ
رُدُّوا – بحقِّ الله – أيَّهُمُ
ماعُدتُ في حَوْجٍ لهم أبداً
يكفي بهم أني عشقتُكُم
إنْ جاءني الموتُ يأخذني سأَبتسِمُ
لنْ يقبضَ الروحَ قدْ أَوْدعتُها ـ باللهِ- عندكُمُ
أوْ فرّقَ الموتُ ما بيني وبينكُمُ
في جنَّة الخُلدِ حُوراً قد مُنِحْتُكُمُ
لم يبق مِنِّي سواكُمْ  يا «أنا» لَكُمُ
فكيف أرجعُ -كالعُشّاقِ - دُونَكُمُ
كلُّ الذين عشِقْتُهُمْ رحَلوا
باللهِ أينَ مَضَوْا ؟  باللهِ أيْنَهُمُ؟
يا حاديَ الرَّكْبِ إما جئتَ عندهمُ
فقلْ لهمُ : إني أُحبكمُ !