د. عبد الفتاح خضر عميد كلية القرآن الكريم بطنطا: دور كبير لنقابة القراء فى مراقبة الأداء.. وإعادة الكتاتيب ضرورة

د. عبد الفتاح خضر
د. عبد الفتاح خضر

تميزت مدرسة التلاوة المصرية عالميا وأصبح قراؤها نجومًا وأئمة فى سماء العالم الإسلامي؛ لأن هناك قواعد وضوابط يلتزمون بها، قد وضعها علماء القراءات وأئمة اللغة؛ وقد حبا الله تعالى مصر مكانة عظمى فى نفوس الناس أجمعين فى بقاع الأرض كافة؛ إذ تخرج فيها أقطاب القراء الذين يصدحون بكتاب الله تعالى ليلا ونهارا، ومنهم يتعلم الناس أجمعون..

ويؤكد د. عبد الفتاح خضر، عميد كلية القرآن الكريم بطنطا: أنه مما يؤسف له أن بعض قراء القرآن الكريم ومقرئيه صاروا إلى حال يرثى لها من التجاوز الذى تعددت صوره، ومنه الاتجار بإقراء القرآن الكريم والقراءات العشر المتواترة صغرى وكبرى؛ حيث يشترطون لإجازة طلابهم مبالغ يعجز هؤلاء الطلاب وأولياء أمورهم عنها؛ ولدينا بعض القراء لهم تجاوزاتهم، فمنهم من يقرأ فى المآتم ويستدر ما فى جيوب الناس، مصدرا لهم قوله تعالى: (ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا).

بعض التجاوز!

ويضيف د. عبد الفتاح خضر أن من صور تجاوز بعض القراء الخروج بالقراءة عن حد الاعتدال؛ فإن التوسط فى كل شيء مطلوب مرغوب فيه، وأما التنطع فمرغوب عنه فى كل شيء، ولا سيما فى كتاب الله تعالى قراءة وإقراء، قال سيدنا محمد : «هلك المتنطعون!»، وقد قالها  ثلاث مرات، والمتنطعون فى قراءة القرآن الكريم: هم الذين جاوزوا حد الاعتدال وغلوا غلوًا كبيرًا فى قراءته وفى إقرائه! وها هو ذا  يبين لنا أن القرآن ينبغى أن تراعى فى قراءته السلاسة؛ لأنه نزل عليه  ميسرًا، قال تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)، يقول سيدنا رسول الله : «من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»، وكانت قراءة ابن أم عبد، وهو الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود، رضى الله عنه، سهلة رسلة، لا تنطع فيها ولا تكلف. ولهذا فإنه ينبغى لمن تصدر لإقراء الناس وتعليمهم كتاب الله تعالى أن يكون أبعد الناس عن التكلف والتنطع ومجاوزة الحد فى كل شيء؛ فإنه مأمور بهذا شرعا.

رقابة نقابية

ويوضح د. عبد الفتاح خضر أن أهم مؤسسة علمية تراقب ما يحدث من قراء القرآن الكريم ومقرئيه من تجاوزات، هى نقابة قراء مصر؛ فمن المعلوم أنها الجهة الرسمية المنوط بها محاربة ما يقع فيه قراء القرآن الكريم ومقرئوه من تجاوزات، وردهم بسيف الحق والقانون إلى حيث اليسر وترك التكلف والتعسف. ومما يحمد لهذه النقابة: متابعتها الدءوب لتسجيلات كل من انطوى تحت جناحها؛ فكما أنه يستدر أموال الناس بانضمامه إليها؛ فإنه يمثل للتحقيق متى صدر منه تجاوز فى قراءة القرآن الكريم، كائنا من كان، ولا يخفى ما فعلته تجاه بعض كبار القراء حينما وقعت منهم بعض التجاوزات.

عودة الكتاتيب

ويشير عميد كلية القرآن الكريم إلى أن للكتاتيب أثرا بالغا فى تنشئة الطفل على القراءة الصحيحة الخالية من التكلف، هذا إذا كان القائمون عليها ممن برعوا فى مجال الإقراء؛ فإن الأطفال يلتحقون بالكتاتيب وهم كالعجينة فى يد شيوخهم، وهنا يأتى دور الشيخ المتقن، الذى يقوم على تعليم الطفل كتاب الله تعالى مجودا مرتلا من غير ما تكلف.

والكتاتيب ضاربة فى الأصالة منذ آماد بعيدة، ويذكر العلماء أن الصحابى الجليل أبو الدرداء، رضى الله عنه، كانت عنده حلقة فى جامع دمشق، فيها ألف وستمائة طفل يحفظون كتاب الله تعالى، وقد جعل على كل عشرة منهم عريفا يقرئهم ويعلمهم؛ فإذا التبس عليه أمر رجع إلى أبى الدرداء رضى الله عنه، وما زالت هذه السنة موجودة حتى الآن؛ فمقرأة طلاب كلية القرآن الكريم التى يقوم عليها د. مصطفى الحلوس، فيها شيوخ مقرئون، وعرفاء مساعدون. ولم تكن الكتاتيب قديما تكتفى بتعليم الأطفال كتاب الله تعالى فحسب، بل كان الطفل يحفظ فيها كتاب الله تعالى، ويتعلم الحساب والإملاء، ويحفظ ألفية ابن مالك فى النحو والصرف؛ فيتخرج فى الكتاب وعنده حصيلة علمية تؤهله لأن يكون عالما، وكثير من علماء الأزهر الشريف كانت نشأتهم فى الكتاتيب، وقد درسوا فيها العلوم المذكورة وزيادة.

مقارئ إلكترونية

ويقول د. خضر: ليس هناك عصر ابتعد فيه الشباب عن كتاب الله تعالى كما ابتعدوا عنه الآن! فعلينا أن نتكاتف ونعمل جاهدين على إعادة الشباب كما كانوا من قبل، وأقترح أن تكون هناك مقارئ عامة تقوم عليها مؤسسات رسمية، تفتح بابها طيلة النهار أمام الشباب، ليتسللوا إليها لواذا بها، بعد أن أنهكتهم متاعب الحياة وغرقوا فى ملذاتها.

كما أقترح أن يكون من هذه المقارئ مقارئ إليكترونية يقوم عليها شيوخ متقنون بعيدون كل البعد عن التكلف فى قراءة كتاب الله تعالى؛ فهذه هى الخطوة الأولى فى إعادة الشباب إلى كتاب الله تعالى، كما أنه ينبغى لنا أن نكثف جهودنا الدعوية فى الخطاب الإعلامى الدعوي؛ لبث فضائل حفظ كتاب الله تعالى؛ فإن هذا مما يرد الناس جميعا إلى كتاب الله تعلما وتعليما، والناس أعداء ما جهلوا؛ فمتى استبانت لهم الحقيقة ولاحت؛ هرعوا إليها فزعين متمسكين بأهدابها.