محمود الوردانى: يكتب يوميات عامل إغاثة فى أفغانستان

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

محمود الورداني

أعرف خالد منصور والتقينا عدة مرات، وكان ممكنا أن تتوثق علاقتنا، لولا أنه كان دائما على سفر ولم يستقر إلا قليلا. وكنت قد قرأت النسخة الأولى من كتابه عن أفغانستان الصادر فى سلسلة كتاب اليوم عن دار أخبار اليوم، بعد صدوره بعدة سنوات، وفاجأنى بشدة تمكن الكاتب ومعرفته.

وقرأت أخيرا كتابه» من طالبان إلى طالبان» .. مشاهدات عامل إغاثة فى أفغانستان- دار المرايا- وإذا كان الكاتب قد اعتمد على النسخة الأولى من كتابه، إلا أن النسخة الأخيرة تعدّ بالنسبة لى مرجعا شاملا ودقيقا ولايوجد- حسب علمي- كتاب بالعربية وصل إلى هذا القدر من الاكتمال والمعايشة والفهم.

من جانب آخر، توافر للكاتب إمكانات وخبرات عديدة ساعدته كثيرا على هذا الثراء والدقة. وعلى مدى ثلاثين عاما عمل فى الصحافة فى البداية، وفى رويترز المشهورة بالمهنية، كما عمل متحدثا باسم الأمم المتحدة لثلاث سنوات فى أفغانستان قبل وبعد سقوط طالبان، وكذلك فى العراق ولبنان والسودان. 

وفيما يتعلق بإفغانستان تحديدا، عاش الكاتب التجربة بنفسه، وفى موقع يسمح له بالدراية المباشرة، والمشاهدات الحية لبيوت الناس وتزاحم الفقراء على أماكن توزيع المساعدات، والمرور على الحقول التى ضربها الجفاف، وزار القرى الصغيرة المغلقة على تجار السلاح بأنواعه المختلفة والوارد من بلدان مثل وإسرائيل وباكستان ويباع عَلَنا، وسجّل فى تقاريره التى اعتمد عليه فى كتابه تفاصيل الواقع الحي.

العمل فى الصحافة والخبرة المباشرة أضيف إليهما الاعتماد على القراءة الواعية المجتهدة لكل ما أتيح له من المصادر، فضلا عن لغته الأدبية السليمة والجميلة فى الحقيقة.. كل هذا يجعل من كتابه الأخير واحدا من أهم الكتب التى تؤسس بلا أى مبالغة لطريقة فريدة فى الكتابة السياسية. طريقة لاتلقى بالها للرطانة والثرثرة، وتُعنى بالتوثيق والاستقصاء، ولايهمها الوصول لأحكام قطعية.

على أى حال، خصص الكاتب الفصول الثلاثة الأولى من كتابه لتناول أفغانستان، وأصول الصراعات ومآلاتها وأطرافها، وصولا إلى طالبان، التى استمر حكمها منذ السنوات الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي، وحتى الغزو الأمريكى عام 2001 عقب هجمات 11 سبتمبر، ويواصل الكتاب رحلته حتى عودة طالبان إلى الحكم وانسحاب الولايات المتحدة التى حصلت على تعهدات واضحة وحاسمة من طالبان على عدم مساندة أو إيواء القاعدة وغيرها من تنظيمات الإرهاب.

بينما يخصص الفصول الثلاثة التالية لمحيط أفغانستان الجغرافي، والأعراق والقبائل والتى عاشت صراعات امتدت لعدة قرون فى إيران وطاجيكستان وباكستان، وماتزال مؤثرة بقوة على الوضع الحالي. فعلى سبيلى المثال تلعب المخابرات الباكستانية دورا شبه علنى فى دعم طالبان حتى تمكينها من النهوض بعد الهزيمة التى مُنيت بها على يد الغزو الأمريكي.

أما واقع أفغانستان وحياة الأفغان اليومية، فهى مخيفة ومرعبة فى بؤسها، واضطهاد المرأة والتنكيل بها واستغلال الأطفال والفقر والجوع، والمستقبل المظلم بعد عودة الطالبان، الذين كانوا قد غادروها وفرّوا منها، قبل أكثر من عشرين عاما. علّق الكاتب على هذا الحادث الغامض والمثير قائلا:

«نجحت طالبان فى العودة إلى الحياة بعد فشل الحكومات الأفغانية المدعومة أمريكيا فى تحقيق الأمن وتوفير الأمان للسكان مثلما كانت تفعل طالبان، أو تنمية البلاد اقتصاديا».

اقرأ ايضا | محمود الورداني يكتب : استدراك حول سيرة أسامة الديناصورى