فى الصميم

في لقاء الصين والعرب: البحث عن عدالة غائبة

جـلال عـارف
جـلال عـارف

كان طبيعيا أن تفرض قضية فلسطين نفسها على منتدى التعاون العربى الصيني، وأن تكون حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل والعجز الدولي عن إيقافها ووضع العراقيل أمام تفعيل العدالة الدولية حاضرة بقوة فى هذا اللقاء الهام.
وكان لافتا أن الرئيس السيسى وهو يدعو كافة الأطراف الدولية لتحمل مسئولياتها لوقف الحرب ووضع حد  للحصار الإسرائيلى على غزة والتصدى لكل محاولات التهجير القسرى للفلسطينيين، كان - فى نفس الوقت - يؤكد الحاجة لتشكيل «نظام عالمى أكثر عدالة» وهو أحد الأهداف الرئيسية لمنتدى التعاون بين الصين والعالم العربي.
ولاشك أن استمرار المذابح الإسرائيلية، واستمرار شل الإرادة الدولية ومنعها من التصدى للحل الذى يقوم على الشرعية الدولية واحترام القانون تجعل «الحاجة لنظام عالمى أكثر عدالة»، أمرا ضروريا لإقرار الأمن والسلام العالميين. ومن هنا كان تساؤل أمين الجامعة العربية أحمد أبوالغيط فى افتتاح المنتدى: أى مصداقية للنظام الدولى وللقانون الأساسى الدولى إذا كانت هناك دولة تضع نفسها فوقه؟!
وعلى الجانب الآخر كان الرئيس الصينى «شى جين بينج» يدعو لمؤتمر دولى للسلام أوسع نطاقا واكثر موثوقية وفاعلية مؤكدا أنه لا ينبغى للعدالة أن تغيب إلى الأبد، وأن حل الدولتين لا ينبغى أن يتأرجح مع الأهواء والكلمات هنا لا تصدر فقط من دولة عظمى لا تصدر التصريحات جزافا، لكنها أيضا من دولة عانت الحصار ورفض الغرب الاعتراف بها سنوات طويلة، وحرمها من مقعدها الدائم فى مجلس الأمن لسنوات. ولابد هنا أن نتذكر أن اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية فى منتصف الخمسينيات كان زلزالا  سياسيا فتح الباب بعد ذلك أمام دول المنطقة ودول العالم الثالث لتكسر الحصار، ولتبدأ رحلة تعاون لم ينقطع بين دول الجنوب يقوم على احترام الاستقلال والتعاون فى كل المجالات، والانحياز للحق والالتزام بالشرعية واحترام القانون. وها نحن نرى هذا التكاتف العالمى الذى يرفض الظلم التاريخى لشعب فلسطين.
السعى من أجل نظام دولى أكثر عدالة مطلب قديم رفعته شعوب الجنوب لرفع الظلم عنها، ولإيقاف استغلال دول الشمال لثروات الآخرين من أجل بناء رخائها. الآن يكتسب هذا المطلب قوة أكبر بعد عجز النظام الدولي- بفعل فاعل ليس مجهولا!! عن فرض القانون على الجميع ومنع ازدواجية المعايير وترك مجرمى الحرب بلا عقاب، وترك أوامر محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية وبلا تنفيذ. بينما إسرائيل تقيم «المحارق»، لشعب فلسطين، والنظام الدولى عاجز حتى عن توفير المياه لإطفاء الحرائق أو حماية المستشفيات لتنقذ الأطفال قبل أن تأكلهم النيران!!
هناك بالتأكيد عوامل اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وحقائق كبرى على الأرض وموازين قوى تتغير، كلها عوامل تؤكد الحاجة لنظام عالمى جديد. لكن صدمة العجز عن مواجهة النازية الجديدة وهى تقيم «المحارق»، على أرض فلسطين فى حماية قوى دولية تفرض على العالم كله أن يشارك فى البحث عن نظام عالمى أكثر عدالة قبل أن يواجه الفوضى الكاملة والدمار الشامل!