الموقف السياسى

نظام عالمى عادل

محمود بسيوني
محمود بسيوني

لا يخفى على أحد الفشل الذى يعترى منظومة العدالة الدولية، وتجلى فى تجاهل إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار فى غزة، واستكمال عدوانها الغاشم على القطاع، وقتلها للأبرياء بدم بارد، وسعى حكومتها المتطرفة إلى توسيع الصراع فى الشرق الأوسط دون رادع.

غياب قدرة الولايات المتحدة على كبح جماح الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو أثبت عجز النظام العالمى، وتراجع قدرته على فرض الأمن والاستقرار فى العالم، وامتد العجز لملفات دولية وإقليمية مشتعلة لم تتمكن الولايات المتحدة من حلها، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، حتى استبد بالعالم القلق وتعقدت الأمور أمام الدول النامية وأصبح الأمن والاستقرار والتنمية غاية بعيدة.




العدالة الدولية فى خطر شديد بسبب الجرائم الإسرائيلية، النظام العالمى الحالى لم يحم الإنسان الفلسطينى فى عصر حقوق الإنسان، بل إن تلك الجرائم كشفت زيف تلك الادعاءات، وأكدت ازدواجية المعايير، حينما صمت العالم عن قتل النساء والأطفال، وكان من المثير للسخرية دعوة نتنياهو لمعاقبة الجنائية الدولية، حينما قررت ممارسة دورها تحت الضغط الدولى وأصدرت أمرًا باعتقاله.

غلبة الحلول العسكرية على الحلول السياسية للأزمات الدولية أكدت تهاوى النظام العالمى القديم، الذى تحول من ثنائى القطبية إلى أحادى القطبية بانهيار الاتحاد السوفيتى القديم، وسيطرة الولايات المتحدة منفردة، وظهرت أخطاؤها فى أفغانستان والعراق والصومال، وتدخلاتها المؤسفة فى الشئون الداخلية للدول، وما صاحب ذلك من انهيارات متتالية لدول محورية، وكانت النتيجة استفحال ظاهرة الإرهاب.

وإذا تحدثنا عن مصر.. فمصر تبحث عن التنمية والشراكة والتعاون والاحتفاظ بالتوازن المطلوب فى علاقتها بكل القوى الدولية، وهى صاحبة مصلحة أكيدة فى سيادة نظام عالمى جديد، يقوم على العدالة والإنصاف، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى واضحًا ومباشرًا فى كلمته أمام المنتدى العربى الصينى، حينما حدد الأسس التى تقوم عليها العلاقات السياسية العربية الصينية، وأنها تقوم على أمن واستقرار ومصالح الشعوب، ورفض الاعتداء على السيادة، واعتبرها ركيزة من ركائز الاستقرار الدولي، وإقرار العدالة فى المنظومة الدولية.

وتتفق الرؤية العربية الصينية على ضرورة وقف النار فى غزة ووقف العدوان الإسرائيلى، ورفض كل محاولات التهجير القسـرى للفلسطينيين، والمعالجة الشاملة لجذور القضية الفلسطينية، والعمل على تطبيق حل الدولتين، وحصول الفلسطينيين على دولتهم المستقلة، كما تتفق أيضًا على تحقيق عدد من الأهداف، وهى حوكمة الاقتصاد العالمي، ونقل وتوطين التكنولوجيا، ومكافحة التغير المناخى وضمان الأمن المائى.

وإذا نظرنا إلى السياسة الخارجية الصينية فى عهد الرئيس شى جين بينغ سنرى أنها تتحدث عن نظام عالمى جديد، يقوم على العدالة والإنصاف والتمتع بجودة حياة مشتركة، والمنفعة المتبادلة، والتواصل الحضارى فى بيئة خضراء، وهى نقاط اتفق عليها العرب والعالم مع الرؤية الصينية، والصين تحركت بالفعل وشاركت فى مشروعات اقتصادية كبرى فى الدول العربية وأفريقيا، وقد أشار الرئيس السيسى إلى نجاح عشر سنوات من الشراكة مع الجانب الصينى، وتحقيق التكامل بين «رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة» مع أولويات مبادرة «الحزام والطريق».

الصين لديها شراكات واسعة فى المنطقة والعالم، ولديها تجربة اقتصادية ملهمة، تقوم على الإنتاج الكثيف، واقتحام الأسواق بالمنتجات المختلفة، وهى صاحبة استثمارات ناجحة فى مصر ومشروعات كبرى فى مجالات البنية التحتية والنقل والسكك الحديدية وبناء السفن والإنشاءات والاستثمارات وعلوم الفضاء، وشاركت فى بناء حى المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتدشين القطار الكهربائى للعاشر من رمضان، والاستثمارات الصينية بالمنطقة الصناعية تيدا المصرية-الصينية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإطلاق القمر الصناعى المصرى (مصر سات-2)، و التعاون المالى وتمديد الاتفاقية بشأن مبادلة العملات المحلية، ونجاح مصر فى إصدار سندات الباندا فى الصين، ونتج عن التنسيق المصرى الصينى انضمام مصر للبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، والانضمام لبنك التنمية الجديد رسميًا فى عام 2023، ولعضوية تجمع البريكس.

وتدعم الصين حق مصر فى حماية أمنها المائى والغذائى ومصالحها التنموية، فيما تواصل مصر التزامها الثابت بمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ودعم موقف الجانب الصينى من القضايا التى تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها، ودعم تحقيق إعادة توحيد الصين، ورفض التدخل الخارجى فى الشئون الصينية الداخلية.

وتتفق مصر مع الصين على رفض المعايير المزدوجة والممارسات الأحادية، والعمل على إصلاح المؤسسات الدولية، لتكون أكثر عدالة وتمثيلاً للدول النامية، وأكثر فاعلية فى الاستجابة للتحديات التى تواجه العالم.

التوافق العربى الصينى يمكن استثماره والبناء عليه فى التهدئة والبحث عن حلول تقوم على المصالح المشتركة، والتواجد فى الصين مطلوب ومهم من أجل التوصل إلى عالم متعدد الأقطاب، يشكل النظام العالمى الجديد، الذى يراعى مصالح الجميع، ويعيد إلى العالم استقراره البعيد.

أتصور أن التحرك نحو نظام عالمى عادل يبدأ من حل القضية الفلسطينية، ومحاسبة حكومة الحرب الإسرائيلية على المجازر وجرائم الحرب والتوترات والخسائر البشرية والاقتصادية والفاتورة الضخمة لإعادة الإعمار، وأن تتحرك الولايات المتحدة لدى حلفائها والصين أيضًا لدى حلفائها لحل النزاعات المتصاعدة، ووقف اللجوء إلى السلاح فى حل الأزمات الدولية، والعودة إلى الحلول السياسية السلمية.

صراع القطب الأوحد يستنزف الجميع، ومغامرات القوة وتحقيق الأهداف بالسلاح لم تحقق شيئًا سوى زيادة عدد الضحايا، وزراعة الخلافات المستقبلية.. دعونا نتفق على عالم متعدد الأقطاب، يقوم على احترام سيادة الدول وحقها فى التنمية والتطور التكنولوجى، وأن تعاد صياغة منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويتاح للدول النامية المشاركة الأوسع والتأثير فيها، وأن تتوقف النظرة الأحادية لحل الأزمات، والاستماع لأصوات السلام القائمة على تحقيق الحق والعدل.