بأقلام العلماء

التعاون العلمى و«عقدة الخواجة»

د.عبد الناصر توفيق
د.عبد الناصر توفيق

يعرف الجميع عبقرية أينشتاين، وأنه قاد ثورة علمية أوصلتنا للحضارة الحالية، وأن نظرية النسبية العامة حددت نظرتنا للكون، وقد يتصور البعض أن هذه العبقرية تتمثل حصرا فى شخص أينشتاين، لكن الحقيقة هى أنها كانت النتاج الطبيعى لتكامل عبقريات علماء عاصروه، نذكر منهم مارسيل جروسمان. 

لقد تحول البحث العلمى منذ بداية القرن العشرين من مجهود يقوم به أحد العلماء الأفذاذ مثل لورينتز وماكسويل إلى مجهودات مُجَمعَة يقوم بها عدد من العلماء المتعاونين، وأصبحنا نتداول مصطلحات مثل «فريق العمل» و«عمل الفريق».

ولأن التخصصات العلمية توسعت وتنوعت وتعقدت، والأهم أن البحث العلمى أصبح منتشرا فى بقاع الأرض لدرجة أن عدد الأبحاث العلمية التى تُنْشَر يوميا لا يستطيع العَالِم الواحد الإلمام بها، ولم يعد نتيجة لذلك، هناك عَالِم يستطيع أن يكتفيَ بذاته، فهو بحاجة لمدخلات من زملاء له، وهم كذلك.  

ومن بين كل أنواع التعاون العلمى لا أشجع إلا التعاون المتبادل الأقرب للتكامل، بمعنى أن كل عضو فى الفريق العلمى يصبح معتمدا على مجموع مجهودات كل أعضاء الفريق، ولو تم عزل أحد الأعضاء سيتأثر الفريق كله سلبا، وهذا هو التعاون العلمى الأخلاقى والقيمي، أما الأنواع الأخرى فهى أقرب للسطو اللاأخلاقى على مجهودات اﻵخرين.

ونأتى للحالة المصرية، حيث أعتقد أن ما يقف حجر عثرة أمام التعاون العلمى فى مصر هو قناعة ملعونة بأن العِلم الحقيقى هو فقط العِلْم الغربي، وأن العَالِم الحقيقى هو فقط العَالِم الغربي، وأن المراكز العلمية المعتبرة موجودة فقط فى دول الشمال، وهذه القناعة لها ما يفسرها من الاستعمار الثقافى الغربي، ومن توقفنا منذ الحسن بن الهيثم عن أى إنجاز علمى حقيقي، وهذا تفسير وليس تبريرًا.

وكان من نتيجة ذلك، أن ما يجول فى خاطر أى باحث بشأن التعاون العلمي، هو البحث عن عالم مصرى يعمل فى أوروبا وأمريكا واليابان، ولو كان العالم «خواجة» يبقى أحسن وأحسن، والمصيبة هى إن العَالِم المصرى وهو بالخارج يتعامل مع مصر بفوقية طفولية، ولا يعترف أصلا بوجود علماء فيها! والخلاصة هى أن التعاون العلمى فى مصر لا يقوم على أساس مهنى أو موضوعى ويكاد ينحصر بين الأصدقاء!