منى نور تكتب : على يد 4 مستشرقين بريطانيين تصحيح الصورة الخاطئة عن النبى محمد!

الباحث محمد أبوالوفا على دياب
الباحث محمد أبوالوفا على دياب

الاستشراق.. منهج بحثى يعود إلى قرون طويلة  ظل أصحابه يدرسون من خلاله العديد من القضايا المختلفة.. كان للإسلام والمسلمين الحظ الأوفر من هذه الدراسات التى يمكن أن تشوبها الافتراءات فى مناهجهم، حيث أنشأوا المعاهد العلمية التى تخرج فيها آلاف المتخصصين فى دراسة الإسلام،  وهذا ما دفع وشجع الباحث «محمد أبوالوفا على دياب» إلى دراسة رؤية الاستشراق البريطانى للنبى، فى القرن السابع عشر من خلال دراسة نقدية مقارنة، حصل عنها على درجة الماجستير فى الفلسفة الإسلامية، بإشراف د. عبدالرحمن سالم، د. محمد الشرقاوى، بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.

فى بداية طرحه، لفت الباحث إلى أنه لأهمية وخطورة ما فعله المستشرقون ، نشط كثير من المفكرين والمتخصصين المسلمين لدراسة الاستشراق وآثاره والرد عليهم فيما أثاروه من أقاويل ضد الإسلام والمسلمين.

اقرأ أيضاً| يعقوب الشارونى.. مات الولى وبقى المقام

لكن هناك جانبا مهما لم ينل حظه من الدراسة كما ينبغى، ألا وهو جذور الاستشراق الأكاديمية، ومعرفة كيف تكونت الرؤية الغربية للإسلام والنبى صلى الله  عليه وسلم، كيف ترسخت فى العقل الغربى صورة سلبية للنبى صلى الله عليه وسلم، ولماذا ارتبط فى أذهانهم بالإرهاب والوحشية والشهوانية.

وأوضح الباحث. ولأن مدارس الاستشراق كثيرة وتاريخه ممتد فكان من الصعب تناوله بشكل عام، لذلك آثر البحث تحديد مدرسة معينة، وحقبة زمنية محددة، ليكون الحديث أكثر دقة، وتكون الدراسة أكثر فائدة. فاخترت المدرسة البريطانية فى القرن السابع عشر، ورؤيتها للنبى صلى الله عليه وسلم ممثلة فى أربعة من مستشرقى هذا القرن، حيث كان لما كتبوه أهمية فى تشكيل صورة النبى، والإسلام لدى الغربيين عموما،  والانجليز خاصة، على مدى القرنين السابع عشر، والثامن عشر، وهؤلاء المستشرقين هم: هنرى ستوب، هيمفرى بريدو. سيمون أوكلى، جورج سيل.

جاءت الدراسة فى مقدمة وتمهيد، وخمسة فصول، تناول الأول منها التعريف بالمستشرقين (الذين تم اختيارهم للدراسة)، وجهودهم وكتاباتهم بصفة عامة، وكتبهم الأربعة التى تناولوا فيها النبى بصفة خاصة، وما دعاهم لتأليف تلك الكتب، والتعريف بمصادرهم التى اعتمدوا عليها للكتابة عن النبى صلى الله عليه وسلم، سواء كانت مصادر عربية (إسلامية- مسيحية) أو مصادر غربية.

  وفى الفصل الثانى، تناول الباحث رؤية هؤلاء المستشرقين للنبى،   رؤيتهم لنسبه الشريف، وما أثير حوله من كلام، رؤيتهم لحياته الخاصة، وتعدد زيجاته، وكيف نظروا للتعدد فى الإسلام، وكذا رؤيتهم لمعجزاته، وهل كانت من وجهة نظرهم معجزات حقيقية أم لا، وكذا رؤيتهم لحروبه، وانتشار دينه، وهل انتشر بالقوة أم كانت هناك عوامل أخرى من وجهة نظرهم.

أما الفصل الثالث فقد خصه الباحث لعرض رؤية المستشرقين للقرآن الكريم، رؤيتهم أولا لمكانة القرآن فى نفوس المسلمين وتبجيلهم إياه، ورؤيتهم لمصدره، وهل كان وحيا أم لا، وهل اتفقت رؤيتهم حول مصدره أم لا، وتناول الفصل - أيضا- ما رصدوه من مميزات للقرآن واللغة العربية، التى كتب بها، والانتقادات التى أخذوها عليه، ومناقشة تلك الانتقادات. ثم عرض البحث لتقييمهم للترجمات السابقة للقرآن الكريم فى الغرب، منذ أقدم ترجمة إلى زمانهم.

وفى الفصل الرابع تناول الباحث موقف المستشرقين من الدين الإسلامى وتشريعاته، فتناول تحليلهم لأسباب سرعة انتشار الإسلام ، وعلاقة ذلك بالمسيحية، وكذا رؤيتهم لعلاقة الإسلام بكل من المسيحية واليهودية، وهل تأثر الإسلام بهما أم لا، وموقف النبى صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة، ورؤيتهم لمصدر التشريعات الإسلامية، ودوافعها، وكذا تحليلهم للجانب الايجابى لتلك التشريعات، ثم رؤيتهم لعقيدة القضاء والقدر فى الإسلام، ثم نظرتهم لعلاقة الاسلام بالعقل.

أما الفصل الخامس والأخير، فكان الغرض منه - كما يقول الباحث- البحث عن أثر هؤلاء المستشرقين الأربعة فى الفكر الاستشراقى البريطانى، خاصة فى القرن العشرين، واختار كلا من مونتجمرى وات،  وكارين أرمسترونج  نموذجين، للبحث عن أثر أفكار المستشرقين الأربعة فى كتاباتهما، وهل كان هناك جديد فى الفكر الاستشراقى.

وأشار الباحث على أن الدراسة اقتصرت على المستشرقين البريطانيين الذين كتبوا باللغة الانجليزية، ولم تتعرض لمن كتبوا باللاتينية، مع أهمية ما كتبوا، مثل إدوارد بوكوك (ت 1691م) ، الذى يعد أستاذا ومرجعا لهؤلاء المستشرقين الذين تناولتهم الدراسة، لكن كتاباته كانت باللاتينية..

وبعد بحثه المستفيض، قدم الباحث، أمام لجنة المناقشة ما خلص إليه بحثه  من نتائج فقال.

لم تتفق رؤية مستشرقى تلك الحقبة فى الطعن والإساءة، للنبى صلى الله عليه وسلم فقد كانت هناك أصوات سبحت ضد التيار السائد وقت ذاك ودافعت عن النبى صلى الله عليه وسلم، وبينت زيف كثير مما كان شائعا عن النبى من أكاذيب.

مؤكداً أن القرن السابع عشر كان بداية حقبة جديدة فى نظرة الكتاب الأوروبيين للنبى، والإسلام، ليس فى بريطانيا وحدها، بل فى أكثر من بلد أوروبى، فقد شاهدنا فى نفس الحقبة المستشرق «بولانفييه»  فى فرنسا وكتابه عن حياة النبى صلى الله عليه وسلم، و «ريلاند» فى هولنداو كتب- ايضا- عن الاسلام بروح جديدة، ومن ثم يستحق هذا القرن دراسة موسعة ، تشمل البلاد التى نشط فيها الاستشراق مبكرا، لمعرفة مدى تأثير هذا القرن على الاستشراق فى أوروبا ككل.

وأضاف الباحث، لقد عرف هذا القرن بداية النقد الذاتى للكتابات الأوروبية عن الاسلام، وكانت بعض هذه الانتقادات شديدة تتهم الكتاب الأوروبيين بالجهل تارة، وبالانحياز وعدم الموضوعية تارة أخرى، ولعل كتاب «هنرى ستوب» أبرز مثال على هذا النقد الذاتى، فقد كتبه بغرض تبرئة النبى صلى الله عليه وسلم من افتراءات المسيحيين ضده، ولم يقتصر الأمر على هنرى ستوب، بل حتى «بريدو» - أكثرهم تعصبا- انتقد كثيرا الكتاب الأوروبيين الذين سبقوه.

لافتاً إلى كثرة المصادر العربية التى كانت موجودة بين أيدى هؤلاء المستشرقين، ما بين كتب تفسير، وكتب تاريخ، وكتب سيرة، وكتب تشريعات، حتى أن مستشرقا واحدا استطاع وحده جلب 420 مخطوطة من الكتب العربية، ومازالت موجودة إلى الآن فى مكتبة بودليان فى بريطانيا، وهو المستشرق ادوارد بوكوك.

وأكد الباحث أنه رغم توافر هذا العدد من المصادر العربية فى بريطانيا، إلا أن بعض هؤلاء المستشرقين استمر على تعصبه وتحيزه ضد النبى صلى الله عليه وسلم، وكان اعتمادهم فى بعض معلوماتهم الخاطئة عن النبى صلى الله عليه وسلم التى فيها طعن، يعتمدون على مراجع أوروبية، رغم عدم وجودها فى المصادر العربية التى كانت بين أيديهم، مشيراً إلى أنه كان للمعلومات المضللة والدعاية السلبية التى اشاعتها الكنيسة ضد النبى صلى الله عليه وسلم فى الغرب دور أساسى فى تشويه صورة النبى والإسلام على مدى ألف سنة، فلما توفرت المعلومات الصحيحة تغيرت الصورة بدرجة ما، وأصبح هناك ما يعرف ب «الرجال المتعلمين»   Learned Men

وهم الكتاب الذين اطلعوا علي الكتب العربية، وكانت كتاباتهم بداية التغيير فى نظرة الغرب للنبى، وإن اقتصر هذا التغير على جزء من الطبقة المثقفة ولم يصل للعوام من الناس.

ورغم كل ذلك فإن هؤلاء المستشرقين عند عرضهم لسيرة، النبى صلى الله عليه وسلم لم يلتزموا الموضوعية فى كثير من الأحيان، وهذا يدل على تأثير الإرث  الثقافى والدعاية السلبية ضد النبى صلى الله عليه وسلم على مدى ألف عام، ولعل هذا يفسر لنا سر عداء الغرب إلى اليوم للنبى، على الرغم من انتشار المعلومات الصحيحة عنه بكل اللغات، ولم يستطع الغرب التخلص من هذه الصورة المتجذرة فى مخيلة الشعب الأوروبى، حتى فى القرن العشرين.

 تم مناقشة الرسالة فى كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، وضمت لجنة المناقشة د. حسن الشافعى «مناقشا داخليا»، د. مصطفى النشار أستاذ الفلسفة بآداب القاهرة «مناقشا خارجيا».