محنة بجماليون.. محاولة جديدة لتأطير الأسطورة العالمية

عبدالهادي عباس
عبدالهادي عباس

تبقى الأسطورة العالمية متجددة بتجدد العصر الذي تتم قراءتها فيه، وبحسب نظرية التلقي فإن كل الأساطير السابقة قابلة لإعادة التشكيل والتوجيه، بحسب ما يُريد منها المبدع أن تُقدمه إلى الجمهور؛ إضافة إلى استيعاب المسرح للأساطير باعتبارها قد خُلقت من أجله في الأساس. 

ولأن الكتابة المسرحية في هذا التوقيت تبدو أمرًا شاقًّا ابتعد عنه كثير من المبدعين، بعدما خفت صوت المسرح المصري واعتلاه المهرجون ممن يرغبون في الإضحاك السمج؛ فإن الكتابة المسرحية الجادة تظهر كالشمعة وسط الظلام؛ ولهذا يواصل الكاتب المسرحي "حسام الدين شعبان" الحفر في أروقة الكتابة بأجواء خيالية فانتازية ساخرة؛ فالمؤلف يحاول أن يلفت النظر إلى مشاكل الإنسان المتأصلة منذ بدء التاريخ وحتى الآن، وأعماله دائمًا تشهد صراعًا طاحنًا بين الخير والشر؛ ومسرحيته الأخيرة (محنة بجماليون) خير مثال على ذلك. ففي هذه المسرحية نجد بجماليون يخوض معركة طاحنة مع قوى الشر والتي حاولت بكل قوة تغييبه ومنعه من ممارسة فنه الذى يعشقه، ولولا مساعدة الآلهة لبجماليون لانتصرت عليه قوى الشر انتصارًا ساحقًا، ولخسر الإبداع الإنسانى أحد أفضل مبدعيه.

 وككل مسرحياته تنتهي المسرحية بالنهاية السعيدة وهو أمر لا يعيب العمل المسرحي إذا ما خدم الأخلاق والعادات السوية في المجتمع؛ وذلك على الرغم من إثارتها للقلق على امتداد مشاهدها إذ تتميز بالتمثيل الفعلي لنماذج إنسانية خيرة وشريرة، أعني الشخصيات التي ابتكرها "حسام" بأسلوب ناجح ومدروس فخدمت اللوحات المشهدية بشكل جيد وماتع وغني.

 وفي المستوى نفسه رأى المؤلف أن النص الدرامي يحتاج إلى المساواة بين الشخصيات فعلًا وتفاعلًا في مجريات الأحداث لكي يلبس المسرحية لبوس الواقعية التي يطمئن إليها المتلقي؛ والمسرحية كسابقتها من المسرحيات التي كتبها المؤلف: (قيس وليلى في بورتوقريش، جحا وتيمور والوزير ستور، ميرا بيهاي، دونج كونج) تحفر فينا إحساسًا كبيرًا بفضاءات ألف ليلة وليلة، فهي تدور في أجواء خيالية مستوحاة من التراث الإنساني، فالمؤلف وبطريقته الفانتازية الخيالية يحاول أن يطرح فيها المشاكل التي تهم الإنسان في مصر والعالم، واستطاع أن يدير الصراع بين الخير والشر بكل مهارة؛ كما أن كتابته الساخرة التي تصل إلى حد الكوميديا السوداء تجذب القارئ بشدة وتجعله يضحك ويبكى في آن واحد.

وقد اختار المؤلف أن يكتب مسرحيته باللهجة العامية المصرية ليسهل تمثيلها على خشبة المسرح، وهو ما يسعى إليه كل كاتب مسرحي، وهو أمر لا يُمكن أن نقبل به على الإطلاق، فإن هناك مسرحيات كبرى تم تمثيلها على خشبة المسرح وكانت مكتوبة باللغة العربية الفصحى، فالسهولة لا يُمكن أن تُنتج عملًا جديًّا، جيدًا؛ والمؤلف معذور في كل حال، فإن عدد الممثلين الذين يتحدثون الفصحى بطلاقة لم يعد يُجاوز أصابع اليدين؛ وقد أحسنت الهيئة العامة لقصور الثقافة بالإعلان عن رغبتها في إنتاج إحدى مسرحيات المؤلف، وهي مسرحية (ميرابيهاي) على خشبة المسرح قريبًا، وهي خطوة جيدة وموفقة، لأن نصوص "حسام" تستحق أن يراها الجمهور المصري والعربي ممثلة على خشبة المسرح، الذي نرجو أن يعود إلينا وأن نعود إليه مرة أخرى من خلال مسرحيات "حسام".