«لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي».. «الإمام» الذي هدم أصنام الجماعات الإرهابية

عادل إمام - لقطة من فيلم الإرهابي
عادل إمام - لقطة من فيلم الإرهابي

■ كتب: أحمد بيومي

يعتبر عادل إمام من الفنانين القلائل الذين اقتحموا عش الدبابير، عندما دخل عرين الجماعات الإرهابية ليقدم مسرحيات وأفلام مختلفة تكشف الوجه الأخر من هذا العالم، ورغم كل ما تعرض له من محاولات مختلفة تارة من خلال المنع بالقوة من عرض مسرحياته مثل "الواد سيد الشغال"، التي قام بعرضها في قلب أسيوط، وتارة من خلال الترويع والتهديد باستخدام العنف بسبب بعض أفلامه التي هاجمت الجماعة مثل الإرهابي وطيور الظلام، وشكلت هذه الأعمال علامه فارقه في تاريخ السينما كما سنوضح..  

◄ مشهد 1
ربما يمكننا البدء من تلك الليلة التعيسة التي راح ضحيتها اثنان من الشباب الممثلين اللذان أسسا فرقة مسرحية في صعيد مصر، أسيوط، ضمن فرقة مغمورة من هواة المسرح، أسّسها شباب في قرية “كودية الإسلام”، اعتبرتهم الجماعات المتطرفة من المرتدين، وحاولت منعهم من تقديم عرضهم المسرحي بالقوة، فقتل شابين اعتبرا شهيدي الفن، وأصيب آخرون.

ربما يمكن أن نتخيل وقع الخبر الصادم على عادل إمام والذي قرر بعده فورا التوجه إلى أسيوط، وتقديم العرض المسرحي “الواد سيد الشغال” لثلاث ليال تضامنا من هذه الفرقة المسرحية وتخليدا لذكرى شهداء الفن الذين راحوا ضحية العنف والإرهاب والرجعية، وأن يعيد البسمة على وجوه أهالي أسيوط، ومصر كلها بالضرورة. هذا الموقف خير شاهد على شخصية عادل إمام الحياتية قبل الفنية. 

في أرشيف عادل إمام الصحفي الثري توقفت أمام تقرير مطول نشرته روزاليوسف يوم 6-6- 1988، كان عنوانه الرئيس “مظاهرة تهتف باسم عادل إمام في أسيوط.. ومنشور يهاجمه قبل وصوله المدينة بأيام”، وفي تفاصيل التقرير المعمق الواصف للمشهد على أرض أسيوط، الكثير من المشاهد الدالة على أهمية هذه الزيارة التاريخية الاستثنائية، وبعد كثير من الوصف لمشاهد وصول عادل إمام وفرقته لمحطة قطار أسيوط اقتبس من التقرير ما نصه: “ومدينة أسيوط لا يظهر عليها أي شكل من اجراءات التوتر اللهم إلا الإجراءات الأمنية المشددة التى تذكرنا دائما بحادثة “كودية الإسلام” فالشرطة موجودة في كل مكان بالرغم من الهدوء الشديد والترحاب الذي نلاقيه من أبناء أسيوط، وفي ليلة العرض الأول للمسرحية تجمعت الجماهير أمام الفندق الذي تنزل فيه فرقة المتحدين وهتفوا باسم عادل إمام لينزل لتحيتهم وقد نفدت تذاكر العرض في صباح اليوم الذي فتح فيه شباك البيع رغم أنها كانت لا تقل عن خمسة جنيهات.  

◄ مشهد 2
مشهد آخر، مفتاح مهم لفهم شخصيته، بعد حادثة اغتيال فرج فودة مباشرة ذهب مباشرة إلى المستشفى ووقف بجوار غرفة العمليات التى يتواجد بها المفكر الراحل. حيث كان فودة مصابا بإصابات خطيرة فى الكبد والأمعاء، وظل ينزف لفترة طويلة وطلب الأطباء كميات كبيرة من الدم له، وعلى الفور أبدى عادل إمام وعادل حمودة اللذان كانا حاضرين فى المستشفى فى ذلك الوقت استعدادهما للتبرع، وبعد تحليل فصيلة الدم كانت المفاجأة أن فصيلة دمهما هى نفس فصيلة المفكر الراحل.

ومضت ساعات عصيبة فى انتظار أمل طفيف أن ينجو المفكر الراحل حتى خرج الطبيب المعالج وأعلن وفاته وبعدها فوجئ الحاضرون بعادل إمام ينهار باكيا وبحرقة ويسقط على الأرض من شدة تأثره وبكائه.

وفى الجنازة الخاصة بالمفكر الراحل أخذ يهتف “بلادي بلادي”، تأثرا باغتيال المفكر الكبير، وقدم فيلم “الإرهابى” بعد حادثة اغتياله مباشرة وقدم شخصية فرج فودة فى العمل والتى أداها الفنان الراحل محمد الدفراوي.

◄ اقرأ أيضًا | زعيم السعادة 60 سنة فن

◄ مشهد 3
مشهد ثالث، شديد الدلالة لا ينفصل عن المشاهد السابقة، بعد حادث محاولة اغتيال الأديب العظيم نجيب محفوظ على يد أحد المتطرفين، قرر عادل إمام أن يكتب لأول مرة مقالا ورسالة طويلة عنوانها: “نجيب محفوظ يُغتال.. يا كل سكان العالم نجيب محفوظ يُغتال”، وذهب مباشرة إلى المستشفى وقبل يده تعاطفا مع هذا الأديب العظيم.

◄ الرحلة
هذه المشاهد كانت الفاعل الرئيسي في رحلة نضال سينمائية ومسرحية وتلفزيونية تجاه أعمال تواجه ظاهرة الإرهاب والتطرف، لنصل إلى عام 1992، وفيلم “الإرهاب والكباب” الذي يعد أول عمل له في هذا الاتجاه.

جسد الفيلم قصة شخصية موظف بسيط دخل في مشادة انتهت بحمله سلاح أحد الجنود واحتجازه للرهائن، بسبب عقبات إدارية، أدت تطورها الدرامي، لاقتحام قوات الأمن المكان وعدم العثور على “الإرهابي” الذي تخفى سريعًا بين المحتجزين، في عمل اعتبره سينمائيون ونقاد، إحدى العلامات الفارقة في السينما العربية.

ومن بين الأعمال السينمائية التي فضحت الإسلام السياسي، كان فيلم “الإرهابي” والذي أنتج في العام 1994 وجسد فيه الفنان عادل إمام شخصية شاب بسيط، ينضم إلى جماعة “متطرفة”، ويشارك في مقتل عدد كبير من السياح. إلا أن تحولا كبيرا في دفة الأحداث، بدأ مع هروبه من ملاحقة أمنية، لتصدمه فتاة ثرية بسيارتها، وتحمله إلى بيتها لعلاجه، ليعيش حينها وسط أسرتها، مكتشفا زيف ما زرعته الجماعات الإرهابية في رأسه من أفكار “متطرفة”.

وكشف الفيلم، الذي لاقى نجاحا كبيرا كيف تؤثر الجماعات “الإرهابية” على الشباب وتدفعهم دفعا إلى الطاعة العمياء، عبر شعارات “زائفة”، وأسس لا ترتكز على صحيح الإسلام، الذي دعا لنبذ التطرف والعنف.

“فلا تناقش ولا تجادل يا أخ علي”، جملة كانت “فاضحة” لمنهج تلك الجماعات الإرهابية، في “إجبار” من هم تحت ولائها على الطاعة العمياء دون إعمال عقولهم فيما يتلقونه من تعليمات، حتى وإن خالفت جوهر الإسلام، الذي يدعون انتماءهم إليه.

في الأفلام المتعلقة بالإرهاب، قدّم نموذجا للممثل الكوميدي، الذي استطاع بأدائه تعرية الإرهابيين بالسخرية والتهكم. ظهر هذا جلياً في ثلاثة أفلام تناولت الإرهاب كحبكة رئيسية: “الإرهاب والكباب”، و”الإرهابي”، و”طيور الظلام”. إضافة إلى تضمين أفلام كثيرة له بهذه التيمة، خاصة في “الإرهابي”، الذي يعد أكثر أفلامه موضوعية في هذا الجانب، ففيه اعتمد أسلوب تعامل الجماعات التكفيرية مع الذين ينضمون إليها، وأسلوب حياتهم، مقدما هذا كله على خلفية أعمال العنف التي قامت بها هذه الجماعات، في مصر خاصة.

واصل عادل إمام، رحلته في مواجهة الإسلام السياسي، ليعود في تجربة جديدة تتناول الإرهاب والتطرف. في فيلم “طيور الظلام” والذي لاقى شهرة كبيرة في ذلك الوقت، قدم فيه قصة لثلاثة محامين أصدقاء، فرقتهم الظروف والأهواء، إلى ثلاثة اتجاهات.

أول تلك الاتجاهات كان الذي سلكه الشخص “الانتهازي” (عادل إمام) والذي استغل قدراته القانونية للوصول إلى منصب رفيع، فيما الثاني وجد من الجماعات المتطرفة سبيله نحو تحقيق المكاسب المالية بالدفاع عنهم، أما ثالثهم فكان ذا الميول الاشتراكية، الذي يعيش كموظف عادي، يكتفي براتبه فقط دون أية أطماع.

إلا أن هذا العمل والذي اختتم بأغنية “يا واش يا واش يا مرجيحة”، كان لديه قراءة مستقبلية للواقع؛ فأحداثه تحققت على أرض مصر على مدى الأعوام اللاحقة، وخاصة بعد أن تقلدت زمام أمورها جماعة “الإخوان” الإرهابية، وما تلا فترة حكمها من أعمال عنف و”إرهاب” كانت هي المحرك الرئيسي لها.

لم تكن أعمال “الزعيم” السياسية على شاكلة “الإرهابي”، بل إنه انطلق هذه المرة في محاربته لجماعات الإسلام السياسي من ثوب كوميدي، عبر فيلم “مرجان أحمد مرجان”، والذي أنتج في العام 2007. وفضح الفيلم دور جماعات الإسلام السياسي داخل الجامعات المصرية، وكيف كان لهم دور تخريبي لعقول الشباب، الذين يحاولون تجنيدهم.

عادل إمام يعد إحدى المحطات البارزة في تاريخ السينما المصرية والعربية ككل، بسبب أعماله الفنية التي اتخذت من “هموم” الفقراء مدخلا للإنتقاد والتمرد على الأوضاع السائدة، في ذلك الوقت، بشكل ساخر، مما رسم البسمة على شفاه مشاهديه، بشكل خفف الكثير من “آلامهم”.

عادل إمام الذي اصبح جزءا من الحياة اليومية للشعوب العربية، عبر استحضار مقاطع وجمل من أعماله الفنية في المحادثات اليومية وفي نقد الواقع الاجتماعي أو السياسي، حفر بأعماله المنتقاة بشكل جيد، نقوشًا ستظل مسجلة باسمه على مدار التاريخ.

إلا أن أعماله تلك كانت سلاحا ذا حدين؛ فجرأتها التي تخطت الحدود، كانت سببًا كبيرًا في معاناته، وخاصة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، بعد أن انقسمت الساحة السياسية المصرية إلى تيارين؛ أولهما: الإسلام السياسي، فيما الثاني كان اليسار.

وبين هذين التيارين، كانت هناك منطقة رمادية يقف الفن على أطرافها، بمدرسة جديدة ترأسها الفنان عادل إمام، قدمت أعمالا سينمائية، كشفت عن “تغول” الإسلام السياسي في الحياة المصرية، وأخذت على عاتقها مواجهته وفضح أساليبه “الملتوية”.

لم تكن أعمال “الزعيم” السياسية على شاكلة “الإرهابي”، بل إنه حارب جماعات الإسلام السياسي التي تدعو لشق صف الوحدة الوطنية، بسلاح جديد، ارتكز على قلب الطاولة عليهم. فالفيلم الذي أنتج في العام 2008، جسد فيه عادل امام شخصية رجل الكنيسة “بولس” الذي يتعرض لمحاولة اغتيال وملاحقات من جماعات “إرهابية”، فتجعله الحكومة ينتحل شخصية رجل آخر اسمه “الشيخ حسن”.

فمن مسيحي يعيش في ثوب مسلم، ومن مسلم يعيش في ثوب مسيحي والذي جسده الفنان العالمي عمر الشريف، انطلق العمل السينمائي ليجسد الملحمة الوطنية التي فشل “الإرهابيون”، وجماعات الإسلام السياسي في إفشالها على مدار السنوات.

فبعد رفض عمر الشريف الانصياع لتعليمات الجماعات الإرهابية بالانضمام إليهم، مما جعله على لائحتهم للاغتيالات، قررت الحكومة أن تحميه بجعله ينتحل شخصية “مرقص” المواطن المسيحي، ليكون العمل السينمائي أبرز مثال على “فشل” الجماعات المتطرفة في شق الصف الوطني بمصر.

ورغم أن تلك الأعمال السينمائية، سطرت بأحرف من نور تاريخا حافلا من “النضال السياسي” للفنان المصري عادل إمام وجعلته يتربع وحيدا في قلوب محبيه في الوطن العربي كافة، إلا أنها كانت أحد أسباب دخوله معركة قضائية. ففي العام 2012، ومع بدء التغول “المؤقت” لجماعات الإسلام السياسي والعناصر “المتطرفة” في العمق المصري. المحكمة المصرية قضت بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر بعد أن دانته بـ”الإساءة إلى الإسلام” في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي، إلا أن “الزعيم” استأنف على الحكم الذي لم ينفذ.

رحلة عادل إمام الطويلة الممتدة المليئة بالمشاهد الدالة على موقف واضح ضد التطرف وتغييب العقل، ودعوة دائمة متواصلة لإعمال العقل وهدم كل ما هو واجب هدمه بالضرورة من أصنام حاول البعض في المنطقة العربية فرضها إما بالمال أو بالقوة أو بالأثنين معا. كل هؤلاء ذهبوا وبقى، وسيبقي، عادل إمام.

 

 

;