«زيارة للكنسية» قصة قصيرة للكاتب حسن رجب الفخراني

 قصة قصيرة للكاتب حسن رجب الفخراني
قصة قصيرة للكاتب حسن رجب الفخراني

أجلستني أمي بجانبها، كلتا يديها مشغولتين في صنع الفطائر الخاصة بالزيارة الموعودة إلى الكنيسة، بجوارها كانت تجلس جارتنا أم جرجس، إلا إنني لم أستطع أن أصبر وقفزت من جوارهما على حين غفلة منهما، وهرولت صوب الباب للخروج ولم اكترث لنداء أمي الصارخ خلفي

: عد يا احمد أين تذهب؟

اندماجي مع الصبية جعلني أنسى كل شيء، حتى انتشل جارنا الرجل السبعيني من مرقده ليفتح نافذته الخشبية العتيقة ويقذفنا بسيل من السباب الساخط

رفع أكبرنا سنا وجهه شطر الرجل الحانق قائلا

: عذرا عمنا جميل, لن نفعل ذلك مرة آخري.

هدئت ملامح الرجل واستكانت ثورته مغمغما

: خذ أترابك يا سالم ولا تفعلوها ثانية.

في تلك اللحظة كان يمر جارنا الشيخ حسين الذي نظر للعم جميل في عجب وهو يقول

: وهل تصدق هؤلاء الشياطين مرة أخري ألا تكرر فعلتهم هذه مرة تلو الأخرى

رد العم جميل

: إنهم لا يزالوا صغار، ألم نكن نفعل أكثر منهم عندما كنا في مثل أعمارهم ؟

ضحك الشيخ حسين وأومأ برأسه مؤمنا على صدق قوله ثم واصل سيره صوب الجامع.

نادتني أمي على عجل فهرولت صوبها فقالت

:  الآن يجب ان ترتدي جلبابك النظيف فقد حان وقت ذهابنا للكنيسة، لم تكد أمي تنهي كلامها حتي سمعنا نفير سيارة الخال التي أقلتنا للكنيسة ودخلنا إلى بهوها الواسع فقابلنا أحد رجال الدين بها باش الوجه وسال أمي وابتسامة طيبة لا تزال مرسومة علي شفتيه

: ماذا بصغيرنا الجميل.

وأخرج من جيبه قطعة حلوة وضعها في راحتي.

تدخلت أم جرجس قائلة

 : يا أبانا إنه دائما يهب من نومه مذعورا, لا يكاد يهنئ بنوم.

اقترب مني وطبع على جبهتي قبلة حانية ثم أجلسني بجانبه على كرسي وثير مبطن ببطانة كأنها الحرير وبدأ يرتل تراتيله التي بعثت الخدر في جسدي وبجانبي الشطائر وقلة الماء التي ترفل في غطاء من الخيش كي تحتفظ بالماء بارد وزلال،

لحظات ثم رفع يديه إلى السماء قائلا

:  بحق البتول والمسيح ابن الله شفاءك العاجل يا ربنا.

ومسح وجهي بكلتا يديه وكأنه يغسلني بدعواته ويباركني.

ثم مد يده إلى كيس الفطائر وأخرج إحداها وبيده مزقها إلى قطع صغيرة ووزعها على جميع الموجودين وتناول قلة المياه ونثر بعض مائها فوق رأسي ووجهي

عدنا إلى بيتنا قريب الغروب ما إن هبطنا من سيارة الخال حتى تركنا وانطلق والخالة أم جرجس هي الأخرى ولت صوب دارها مسرعة لتعد العشاء لأبو جرجس وقد أوشك على العودة من عمله، جهزت أمي لنا طعام العشاء وما ان انتهينا منه حتي اواي كلانا إلى مخدعه.

استيقظنا صبيحة اليوم التالي على قرع شديد علي الباب، قامت أمي بين اليقظة والمنام واقتربت من الباب وهي تقول هامسة

:  من يطرق الباب ؟

:  إنه أنا .

: وانت من تكون

جاء الرد بصوت غاضب حانق

: أنا الشيخ علاء ابن عم ولدك أحمد

قالت أمي والعجب يملأها لا سيما وأن قريبنا هذا قلما يأتي إلينا حتى في الأعياد قد لا نراه بالرغم أن ما بين داره ومنزلنا مسافة لا تذكر.

: وماذا تريد يا شيخ علاء في هذا الوقت الباكر وأنت تعرف أن والد أحمد في غربته منذ شهور  

: هل صحيح أنك أخذت الصغير وذهبت به إلى الكنيسة؟

: وما دخلك أنت في هذا ؟.

ما إن أنهت أمي حديثها حتي انفجر قريبنا هذا في الطرق علي الباب بكلتا يديه حتي كاد أن يكسر الباب وأيقظ الجيران حولنا، إذ أنني تبينت صوت الشيخ حسين وهو يعنفه علي فعلته تلك.

سمعت الشيخ وهو يقول له: ما فعلته جريمة يا شيخ علاء، فرد عليه بصوت غاضب حانق قائلا: إن عرفت القصة سوف تلتمس لي العذر

ضحك الشيخ حسين ثم قال: بل أعرف، وأعرف أن من بداخل هذا الدار لم تفعل جريمة تحاسب عليها، أن فكرك العقيم يا ولدي من عظم لك الأمر. اقترب الشيخ حسين من بابنا وطرقه طرقا خفيف وهو يقول لأمي

: افتحي الباب يا أم أحمد.

فتحت أمي الباب بروية ليطالعها وجه الشيخ مبتسما في سماحة قائلا

: نريد مقعدين نجلس عليهما كما أريد منك أن تذهبي لنساء البيوت التي حولك لإحضارهن، أما أحمد فليذهب لإحضار الرجال ولا تنسيا أن تجعلوا من يحضر يأتي ومعه مقعده.

ما إن اكتمل الجمع حتي وقف الشيخ حسين كالخطيب فوق المنبر وبدأ يسرد كل ما حدث والذي كان السبب في جمعهم وأكمل قائلا

: كثيرا منكم يتساءل وما دخلنا فيما حدث بين أم أحمد وقريبها.

صمت هنيه ثم أكمل متوجه بحديثه للشيخ علاء

: لقد رأيتك يا ولدي أَحايينُ عدة وأنت تتناول طعامك في المطعم الموجود في أول الشارع، أليس هذا صحيح ؟

  : نعم وماذا في هذا.

: ألا تعرف أن كل من يعمل في المطعم من الإخوة المسيحين.

:  بلي

: ألا تخشي المأكل فيه وأنت تعرف ذلك.

صمت الشيخ علاء فقد وعي مغزى السؤال.

أما الشيخ حسين فقد توجه بحديثه للجميع

: من جاء إلى تلك الحياة -الكبير قبل الصغير- لم يعرف فرق بين كونه مسلم وجاره مسيحي, أعيادنا نحتفل بها جميعا ونبارك لبعضنا البعض, هل غير ذلك في إيماننا، بالطبع لا، ألم يقل رب العزة في سورة الكافرون (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) لكل منا دينه وعقائده ومقدساته إنما جميعا نتعايش سويا في ود واحترام وتقدير, أليس هناك مسيحي يحفظ سور من القران هل ذلك يجعل عشيرته تنفر منه.

وقفت أم أحمد ثم قالت: هذه جارتي أم جرجس كانت تترك لي صغيرها حين تذهب لأمر جلل وعندما يجوع كنت أرضعه مع صغيري وهي أيضا كانت تفعل المثل.

:  ما رايك يا شيخ علاء؟

أراد أن يرد ويؤكد حجته ألا أنه لم يجد لديه كلمات.

وخيم صمت حائر فوق الجمع.