أخر الأخبار

إنجاز طبي مهم حدث فى القاهرة عام 1963| أول عملية جراحية لتطويل الساق!

الطفل محمد الشناوي أثناء إجراء العملية
الطفل محمد الشناوي أثناء إجراء العملية

■ قراءة: أحمد الجمَّال

الكثير من قصار القامة يحلمون بزيادة أطوالهم ولو لبضعة سنتيمترات، ورغم أن هذه العملية أصبحت متاحة في زماننا الحالى بفضل تطور الطب وابتكار تقنيات جديدة، إلا أن مصر شهدت هذا الإنجاز الطبى قبل نحو 60 عامًا، حين تمكن الأطباء من إجراء أول جراحة لتطويل الساق، ونشرت وقتها «آخرساعة» تقريرًا عن هذا الإنجاز، أعده الكاتب الصحفي الراحل محمد عبدالحميد، نعيد نشره بتصرف محدود في السطور التالية:

إنه نصر طبى جديد يحدث فى القاهرة.. لقد تمكن أحد الأطباء المصريين من إجراء أول جراحة لتطويل الساق، وقد ظل الطبيب يكتم سر العملية الخطيرة حتى نجحت تمامًا ثم تكلم لأول مرة.. لقد أجرى هذا الطبيب أول عملية فى الشرق الأوسط لإطالة ساق طفل عمره 14 سنة.. وقد ظل المقدِّم طبيب حسني عبدالمقصود أربعة شهور يدرس هذه التجربة الجديدة حتى أجرى العملية الخطيرة فى النهاية وأطال الساق بمقدار 4.25 سنتيمتر.

المصادفة وحدها هى التى قادتنى إلى هذه العملية، وجعلتنى أعرف أن فى بلدنا طبيبًا استطاع أن يطيل ساق طفل. وذهبت لأقابل الرجل الذى تحمل فشل ونجاح العملية فى وقت واحد، واسمه المقدّم طبيب حسنى عبدالمقصود، رئيس قسم العظام بمستشفى غمرة العسكري، وقد دُهِشتُ عندما شاهدت الجهاز الفني يساهم فى هذه العملية الجريئة، وهو عبارة عن قوائم من النيكل مثبت فى أعلاها أربعة مسامير مدببة الأطراف، وفى أسفل الجهاز عمودان مرّكب على كل واحد منها بريمة قلاووظ.

■ الطبيب حسني عبدالمقصود يستعرض الجهاز

◄ تفاصيل العملية
وبدأت أسمع تفاصيل العملية.. كانت البداية فى بيت الرقيب أول خفافى محمد الشناوي.. رزقه الله بطفل، ولكن القدر شاء أن يُصاب هذا الطفل بمرض شلل الأطفال، وترتب على هذا المرض أن عجز فى قدمه اليُمنى، وأصبح نموها أقل من اليسرى، وترتب على هذا المرض بمرور الأيام عجز سنتيمتر. وكانت الأيام تمر والأب ينظر إلى ابنه فى ألم وحزن عميقين.. وكان ينام ويحلم بهذه المشكلة التى تؤرق حياته. وذات ليلة سمع ابنه محمد يبكي، وحكى له أن زملاءه فى المدرسة يقولون له «يا أعرج»، وساعتها بكى الأب بدموع ساخنة وضمه إلى صدره، وفى الصباح قرّر أن يذهب إلى المستشفى العسكرى، آملًا أن يجد أى حل لابنه.

◄ موعد مع الأمل
وكان الطفل الصغير على موعد مع الشفاء، حينما نام فوق منضدة الكشف أمام المقدّم طبيب حسني عبدالمقصود، وكان ذلك فى 23 أغسطس الماضى (1962).. وبعد مرور نصف ساعة من الفحص والكشف كان الطبيب يقول للأب: “اطمئن.. عندنا أمل كبير»!

واستأذن الطبيب الأب فى إجراء عملية جراحية للابن، وخيّره بين تقصير الساق  اليسرى وتطويل الساق اليمنى القصيرة، واختار الأب عملية التطويل لأنها المفيدة. ولم يكن يعلم أنه بهذه الموافقة قد أعطى للطبيب المصري المغامرة ليقوم بأول عملية جراحية من نوعها فى الشرق الأوسط.

وفى اليوم المحدد كانت حجرة العمليات على أتم استعداد لاستقبال الطفل محمد.. وبدأت يد الطبيب تتحسس بالمشرط لحم الساق ابتداء من القدم حتى قرب الركبة، وبعد عملية الفتح بدأت عملية خطيرة للغاية وهى تخليص الشرايين والأعصاب من مكانها الطبيعي، ثم يعقبها تطويل أوتار الساق، وبدأ الطبيب فى تركيب جهاز التطويل على ساق الطفل.. وبالطبع يجب تثبيت هذه المسامير الأربعة فى عظمة الساق عن طريق اختراقها، وبعدها يقوم الطبيب بنشر عظمة الساق فى قطاع رأسى إلى أسفل ثم فى قطاع طولى لمسافة 15 سنتيمترًا، وبعد ذلك تُنشر أيضًا فى قطاع رأسي، ثم تصبح عظمة الساق مقطوعة تمامًا، ويثبتها فى مكانها بالجهاز فقط، وترتبط بالعظمة واللحم بعد إعادة الرجل إلى مكانها الطبيعي.

◄ لحظات حاسمة
وبدأ الطبيب يروى تفاصيل اللحظات الحاسمة: “أثناء العملية أعطيت الساق طولًا قدره 6 ملليمترات، حتى نتأكد أن الجهاز يعمل وأن كل شيء على ما يرام، والمسألة تحتاج لبعض الشرح.. إن البريمة المثبتة فى أسفل الجهاز تعطى ملليمترًا واحدًا فى اللفة الواحدة، وعن طريق لفها نحصل على الطول الذى نريده.. وأعطينا المريض بعد ذلك فترة راحة ثلاثة أيام، وبعدها بدأنا عملية تطويل القدم عن طريق الجهاز بمقدار 1.50 ملليمتر يوميًا لمدة 26 يومًا، بعدها يبدأ الفراغ الذى ترتب على عملية التطويل فى الامتلاء بالعظام الخفيفة، ثم نقوم بفك الجهاز ثم تجبيس القدم لمدة أربعة شهور، وبعد فك الجبس سنقوم بتركيب جهاز آخر لمدة ستة شهور».

ويوضح: «هذا الجهاز يحفظ القدم من الالتواء فى المستقبل.، وحتى يمكن أن نضمن تمامًا أن العظام قد ملأت كل الفراغ تمامًا، وأن العظام الخفيفة أصبحت قوية وصالحة لأن يباشر بها الطفل كل أنواع الرياضة التى يحبها».

(«آخرساعة»  6 فبراير 1963)