منصورة عز الدين.. تكتب : ديستوبيا الواقع

منصورة عز الدين.. تكتب : ديستوبيا الواقع
منصورة عز الدين.. تكتب : ديستوبيا الواقع

لعقود عديدة كتب الروائيون روايات ديستوبيا تتخيل حياة تسيطر عليها الآلات أو ما نسميه مؤخرا ب الذكاء الاصطناعي. في بعض الأحيان، بدت هذه الروايات مغرقة في الخيال وغير قابلة للتصديق، أو على الأقل بدا بعضها كذلك. لكن مؤخرا يقترب واقعنا من أن يكون أغرب من أبعد شطحات الخيال في هذا الصدد.


يكفي أن ننزع غشاوة الاعتياد عن أعيننا، أو أن نتقمص وعي شخص ينتمي إلى منتصف القرن العشرين مثلا، ونتأمل المستجدات التقنية التي جاء بها العقد الأخير.

اقرأ ايضاً| معرض مكتبة الإسكندرية نموذجًا ..معارض الكتب.. حكاية خاصة


آن فعلنا، سنرى ليلا سربا من أجرام مضيئة يحلق في مساره بالسماء، وإن اندهشنا لأنه بعيد عما ألفناه، وسألنا عن كنهه، سنجد من يخبرنا أنها أقمار ستارلنك الصناعية المملوكة  لإيلون ماسك.


نعم، شخص واحد يملك أقمارا صناعية وشركة فضاء خاصة به، وبمقدوره، إن شاء، قطع خدمة الإنترنت المعتمدة على الأقمار الاصطناعية المملوكة لشركته عن دول بكاملها، خاصة أن هذا النوع هو غالبا السبيل الوحيد للحصول على الإنترنت في مناطق الحروب أو تلك التي تضربها الكوارث أو الواقعة في بقاع نائية،وغير بعيد عن هذا، معرفة الخوارزميات بكل شاردة وواردة تخص نشاطنا على الشبكة العنكبوتية وربما خارجها،وفي الفترة الأخيرة خرجت الهواجس والمخاوف ذات الصلة بالدور المتنامي للذكاء الاصطناعي إلى حيز العلن، وهي مخاوف لها ما يبررها في ظل واقع بات من الصعب فيه فصل الحقيقي عن الزائف. 


وفيما يخص الكتب والنشر، تنامت المخاوف أيضا وخرجت إلى العلن، فعلى الرغم من أن معظم من تناولوا هذه القضية استبعدوا أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من كتابة عمل إبداعي يتسم بالأصالة والابتكار ويعكس مشاعر البشر وتناقضاتهم على نحو مبدع، إلا أن هذا لم يمنع إثارة ردود فعل غاضبة أو صاخبة، هنا وهناك، لأسباب ذات علاقة بحقوق الملكية الفكرية بالأساس، حيث وقَّع مؤخرا تسعة آلاف كاتب من بينهم مارجريت آتوود وجوناثان فرانزن وجورج سوندرز وآخرين على عريضة تطالب شركات الذكاء الاصطناعي بالتوقف عن استخدام أعمال الكتاب دون موافقتهم ودون منحهم مقابل مادي نظير استخدام هذه الأعمال.


إذ اتضح أن هذه الشركات تغذي تطبيقات الذكاء الاصطناعي المملوكة لها بآلاف الكتب الموجودة على شبكة الإنترنت، ما يمكن هذه التطبيقات من التعرف على السمات الأسلوبية للكتاب المعروفين، كي تتمكن من كتابة مقالات عنها، أو ربما حتى محاكاتها في المستقبل.


وكان كتاب السيناريو في هوليوود قد أضربوا قبل فترة لأسباب عديدة، من بينها الاعتراض على إمكانية حلول الذكاء الاصطناعي محلهم قريبًا. حيث ضغطت نقابة كتاب السيناريو الأمريكيين خلال المفاوضات مع مسؤولي شركات الإنتاج ومنصات البث من أجل الحد من استخدام الذكاء الاصطناعي.


وكثيرا ما أصبحنا نصادف مقالات وتحقيقات صحفية، في جرائد ومواقع صحفية غربية عن إمكانية أن ينتج الذكاء الاصطناعي روايات، خاصة في الأنواع الأدبية الخفيفة التي يتم كتابتها وفق وصفات بعينها أو وفق قواعد مدرسية محفوظة.


في النهاية، أيا كان ما سيكشف عنه المستقبل، يبدو أننا قد دخلنا بالفعل مرحلة جديدة تختلف في معطياتها تماما عما سبقها، لكن من يعرف! ربما تنجح صناعة النشر من تطويع هذه التقنية الخطيرة في مهام خاصة بالتدقيق والبحث والمراجعة، بشكل يساعد على تطوير صناعة الكتاب دون التعدي على حقوق الملكية الفكرية أو إغراق المكتبات بأعمال رديئة  تفتقر إلى الروح والأصالة.