«كفاح جهاد» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبدالعظيم

أميرة عبدالعظيم
أميرة عبدالعظيم

فى ليلة صيف مقمرة والسماء فيها صافية والنجوم تسطع وتتلألأ وكأنها قناديل تضئ دروب الدنيا كلها وقمر مكتمل يضفى على الأرجاء نهار ضؤه وجمال وجهه، اتفقت أنا وجهاد  ابنة خالتي أن ننتهز هذه الفرصة المزينة بجمال الطبيعة ونخرج للتنزه ...

ولأن جهاد ابنة خالتي تمر بظروف استثنائية في حياتها فلهذا السبب اصطحبتها للتنزه لتبتعد قليلاً عن التعب النفسي وتذيب بعضا من تلك الهموم التي تحيك صدرها

جهاد اسمها ونبراس حياتها، عندم تتحدث تشعرك بأنها أيقونة مصرية، بملامح ريفية، وعيون كحيلة، إسمها حروف هجاء عفيّة، جهاد اسمها وهو نفسه فعلها  وخبر جملة حياتها، فهى أم لثلاثة أولاد عمرها أربعون عاماً، الجمال والكمال يجتمعان في شخصها، فهى فتاة جميلة مكتملة الأنوثة والذكاء ودماسة الخلق، ويكفى ذلك لأن يكون هذا داعياً أساسياً ليكون خُطّابُها كُثر

وفعلاً تزوجت جهاد من قريب والدتها، كعادة الأسر الريفية وكانت فى عقدها التاسع عشر كانت وقتها طالبة بكلية التربية.

مرت الأيام وتوالت السنين وعلى الرغم من زواج جهاد فى هذه السن المبكرة للزواج وتحملها المسؤلية الكاملة تجاه بيتها بكل ما تحمل كلمة مسؤولية من معانى كثيرة، إلا أنها كانت على قدر كبير من التحمل والسداد ويرجع ذلك إلى تربية جهاد الريفية فكما وجدت أمها تفعل فعلت هى....

 وصارت على نفس النهج وتتبعت خطا أمها فى كل شىء، وحملت على عاتقها كل مشاق الحياة فزوجها كان عمله يحتم عليه أن يمكث بعيداً عن المنزل لفترات طويلة قد تصل إلى عشرة أيام .. كانت جهاد تَدرُس بجد ولا يتوقف يومها عن العمل.

 حياه كاملة الدسم دراسه - ست بيت كاملة المعاني- أم حنونة.

بمرور الوقت أنهت جهاد دراستها الجامعية التربوية بنجاح متميز جداً وحصلت على تقدير عام امتياز مما يؤهلها لاستكمال دراستها والتقدم للماجستير، ولكن مالبثت جهاد أن تستكمل حياتها إلا وقد اندلعت المشاكل فقد بدأت عائلة زوجها بالتدخل والاعتراض بل وافتعال المشاكل حجة منهم إنك لازم تشتغلي وتساعدي جوزك في مصاريف البيت وطبعاً الزوج غاية في السلبية على الرغم من أنه يشغل وظيفة مرموقة توفر له دخل شهري لابأس به ..

ولكنه كان رجل من أشباه الرجال يصرف كل راتبه على أهوائه.. ولا يعير أى اهتمام لزوجته ولا حتى أولاده، لدرجة أنها كانت تأتى عليها أيام لا تجد فيها لقمة العيش لتطعم أولادها

وفوق كل ذلك تراكمت عليهم الديون بسبب أن الزوج كان يتخذ من الاقتراض من البنوك سبيلاً للصرف....

 وفى نفس الوقت وبكل ضمير ميت هو وعائلته يحملون جهاد مسؤولية الصرف على البيت .

 

وصار حال جهاد حال العديد من السيدات اللواتي طالهم القهر والذل بحجة أنها أم ولابد أن تتحمل علشان تعيش والدنيا تمشى....

وكأنها لو اعترضت فستقف حركة الدنيا وتتوقف عجلة الحياة

لم يكتف الزوج بقروض البنك، ولكنه كان يستدين من القريب والبعيد ويكتب على نفسه إيصالات أمانه، ووصل الحال إلى أن الديانة عرفوا طريق المنزل وبدأوا بطرق الباب على الأم وأولادها

 

وهنا كانت بداية النهاية، جلست جهاد على عجلة القيادة، قيادة قطار الحياة..وتوكلت على الله

وقررت  وبكل شجاعة وقوة، وتحملت وتحملت أكثر من كل قوى الاحتمال حتى أنها لم تكن تعمل لتصرف على نفسها وأولادها فقط بل أصبح ذلك الزوج الدميم عقلياً يشكل عبئا كبيرا عليها بديونه...

وأصبح المطلوب منها الصرف على البيت والأولاد وسد الديون، إلى أن جاء اليوم المنتظر.. ذلك اليوم الذي خرجت فيه جهاد عن كل مواضع السكون وقررت أن تكون النهاية، نعم نهاية المطاف ونهاية الحياة الزوجية البائسة وغير المتكافئة.

 فجأة قالت لزوجها: أريد أن أذهب معك مشوار

سألها: إلى أين نتجه؟

 قالت : إلى حيث يتجه قطار الخلاص...

قال: ماذا تعني بقطار الخلاص

قالت: وهى بكل قواها العقلية والهدوء التام المأذون الشرعى يا عصام....

لم يبق لى ولا لأولادنا عندك شيء إلا المهانة وأنا أريد أن أبعد بأولادي عن هذه الحياة البائسة

أتمنى أن أربي أولادي بعيد عن المشاكل والديون وأن لا تسوء صورة أبوهم في نظرهم أكثر..

وفعلاً وبكل هدوء حذر تم الطلاق، وترك عصام المنزل، فجأة وخطواتنا تأخذنا والكلام يسبق الخواتم رن جرس تليفون جهاد: أيوه يا نورا في أيه

ماما: زين أخويا سخن أوي وتعبان

: إزاى - حاضر يا نورا حالا أكون عندك

وبعد أن كان الكلام يسبق الخطى ...أسرعت جهاد بخطى مرتبكة تكاد تضرب الأرض برجليها لتتحرك من تحتها وتوصلها إلى زين

هكذا جهاد، جعبة حياتها كفاح لا ينتهي، ومازالت مستمرة في تحقيق أحلامها.. فالحلم -الطموح وجهان للنجاح ، واليأس- الظلام وجهان  للفشل.