«لقمة الأملس».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

الدكتور فراج أبو الليل
الدكتور فراج أبو الليل

«لقمة الأملس» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

مر عام ونصف العام .. كان مشهداً صاخباً باللون الأحمر .. تسربت الحقيقة مع الكذب الساخن .. تجمدت حينها أطراف الحديث عندما تمتم لي بالسر .. الدم الحار كان سره .. إليه تأتي المناصب العليا مستسلمات بلا قيد .

قال: هذا تشربه زوجتك ونصفه المتبقي للاستحمام .. أقنعني بالتصوف حتي رأيته وهو يأكل السمين من أيديهن .. يجلس متربعاً في قاهرة المعز بكرش يهتز كامرأة حامل في شهرها التاسع .. يتكلم بلسانه ولسانهم بنعومة مغرية بصوت ساقطة رقيعة .. يهب الحكمة للمال والنساء  ..  كنت زميلاً له في قسم الدعوة بجامعة الأزهر .. وكان ثالثنا "المجعد" .. لا ترى عيون "الأملس " إلا لونين فقط هما الأحمر والأسود   .. ذبل جسده قبل موته بأيام .. تحدثت عنه نساء الدرب الأحمر بسوء .. شرب أنفاسه فى كأس الوحدة عندما حدثته بالصدفة .. تكلم معى بحرية عن لقمة الشيطان .. وكيف أكلها .

 

قلت : له لماذا لم تنهش أطرافك البالية بسلاح الصدق ؟! .

قال : الحقيقة ستدفعك للرحيل مبكراً أو الكذب حتي النهاية .

 

تركت قبره في مدافن الغفير و أسرعت في المشي بين القبور .. توقفت أمام قبر آخر لثالثنا "المجعد" .. كان يلهث وراء "الأملس" يقلده في كل شئ  .. مرة يصل لمنصب مثله ومرات كثيرة يلازمه الفشل في تملق الكلام المدنس .. لا أعلم كيف مضغ "الأملس" جملاً مشوياً في لقمة واحدة .. لماذا شاهدت الملائكة تلك الفعلة بلا مبالاة .. تفاخر بفعلته علناً .

 

قال: فعلت فعلتي التي فعلت ولست من النادمين .. إلتفت موجهاً الكلام لي .. لقد كانت لله كرقصاتك الصوفية في موالد الأولياء .. تمايلت طرباً ومازلت ثملاً بفعلتي أنا أيضاً .. هل ذنبي الذي اقترفته عظيم كذنبه .. كيف تركت الحقيقة تذبح في ساحة المسجد .. تركت الخطابة في مسجد السيدة نفيسة .. همت علي وجهي في موالد الأولياء .. أحاول أن أنسى الدنيا وتنساني .. تذكرت نظرات عيونه الزائغة .. وكيف تُرك وحيداً ومنبوذاً على رف النسيان بعدما تركته المناصب ..

جرت خشبة النعش أمام الجموع المهزومة .. سقطت جثته على أرض القبر الرملية في ساحة مقابر المماليك المبعثرة .. حينها جاء في منامي ليشكرنى .. حيث حملته قبل سقوطه ..

قال: هم يكرهونني .. سألت أولاده .. وزوجته .. كانت إجابتهم .. السجن عاماً كاملاً بدعوة السب والقذف.. هكذا خيطوا فمي .. ودفنوا الإجابات معه في قبره .. سافروا هناك حيث بنات بني الأحمر .. تكاثروا مع اللحوم الحمراء ذات العيون الزرقاء .. قالها الحانوتي .. لقد سرقته السفينة بالسكر والشموع .. لقد رأيته فى عرض البحر الهائج .. لوح لي مبتسماً .. تمتم الحانوتي متعجباً كيف وقد أكل لقمته الطرية بنهم بالغ .. لا أعلم كيف سافر هائماً .. قالتها زوجته "أذكروا محاسن موتاكم" .. لَوَّحت لها بيدي أن تحرر فمي أولاً .. لأبحث معها عن "محاسن الشيطان".

اقرأ أيضًا| «عم محمد رمضان».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل