العيد مناسبة سعيدة لصلة الرحم.. ونبذ الخلافات والبغضاء

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

العيد مناسبة سعيدة وهبة ربانية من المولى عز وجل، تتجلى فيه أسمى صور التكافل الاجتماعى بين أفراده، ويكون فرصة لحل الخلافات الأسرية والنزاعات العائلية وتجاوزها بهدف تصفية القلوب من البغضاء والكراهية، لنعيش أجواء العيد وتغمرنا السعادة وكل من حولنا بعيدا عن المشاحنة والبغضاء.

اللواء الإسلامى ناقشت علماء الشريعة حول مبدأ التكافل الاجتماعى فى عيد الأضحي، وما يجب على المسلم تجاه صلة رحمه وأصدقائه وجيرانه:

يقول د.أحمد لطفى شلبى أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إن عيد الأضحى المبارك يهل علينا من العام للعام بما يحمله من معان دينية واجتماعية عظيمة، لتذكير الناس بعظيم فضل الله عليهم بأن هداهم للإسلام، ووفقهم إلى فعل الطاعات والفرائض، لافتا إلى أن الأعياد تأتى لكسر رتابة الحياة اليومية.

وذلك بما تعطيه للجميع كبارا وصغارا من شحنات معنوية كبيرة، وطاقة إيجابية بناءة، تجعل كل المسلمين يتحلون بجميل الصفات والأخلاق ويتخلون عن أقبحها وأرذلها.

تحقيق مبدأ التكافل

ويوضح أن الأعياد تأتى كذلك لتحقيق معنى عظيم من معانى التكافل الاجتماعي، كركيزة أساسية من ركائز المجتمع الناجح القوي، بما يضمنه من إشاعة التراحم والتعاطف بين أفراده، لافتا إلى أن شعيرة الأضحية تمثل حلقة قوية من حلقات التكافل بين المسلمين، فالغنى يذبح أضحيته ويوزع منها قدرا كبيرا على الفقراء والمحتاجين والأقارب، كى يجدوا فى هذا اليوم قوتهم مثلهم مثل الأغنياء تماما، كما أنها تحض على معنى آخر وهو التضحية بجزء من المال فى سبيل الله، وكذلك التضحية بأحقاد النفس وضغائنها وهو مقصد أسمي، حتى يصل المسلم لأفضل ما تكون عليه الأضحية، ويسود التسامح والوئام بين أفراد المجتمع.

 فرصة للتراحم

ويؤكد أن صلة الأرحام وزيارة الأقارب من أهدافه الجليلة لأنها مناسبة تهل علينا من العام للعام يجب أن نستغلها كفرصة للتراحم والتسامح، ونسيان المشكلات والضغائن بين الأهل والأحباب، مشددا على أن مراعاتها والعمل بها يصب فى صالح بلدنا الحبيب كى نصل لمجتمع قوى ومتماسك، لقول النبى الكريم: (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

مقاصد عظيمة

فيما يشير د.أحمد السيد الأزهري، أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية للبنات جامعة الأزهر فرع بنى سويف، إلى أن الشرائع والشعائر فى الإسلام لها حكم جليلة ومقاصد عظيمة، فلا يوجد بها حكم إلا وله معنى وحكمة، مبينا أن عيد الأضحى، هو أحد هذه الشعائر التى تحقق معانى عظيمة منها تحقيق التقوى مصداقا لقوله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِين)، منوها أن المغزى الحقيقى من الذبح فى هذه المناسبة العطرة ليس الأضحية ذاتها أو المأكل والمشرب، وإنما لتزكية الروح وتحقيق مبدأ التعاون والتكافل بين المسلمين، لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).

مناسبة قديرة

وتابع قائلا إن العيد مناسبة قديرة بما يحمله من معانى التكافل الاجتماعي، التى تتجسد فى تضامن أبناء المجتمع، ومساندة بعضهم البعض، سواء كانوا حكاما أو محكومين على اتخاذ مواقف إيجابية كرعاية اليتيم أو القضاء على ظواهر سلبية كتحريم الاحتكار بدافع من شعور وجدانى عميق ينبع من أصل العقيدة الإسلامية ليعيش الفرد فى كفالة الجماعة وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد.

ويوضح أن توزيع الأضاحى فى هذه المناسبة تعد من الأمور المهمة التى تميزه عن عيد الفطر، من خلال حث العباد على تحقيق مبدأ التوادد والتراحم، الذى يتجسد فى حرص المضحى على توزيع نسبة من فدوه على الفقراء والمستحقين، وجزء منه على الأقارب، وإدخار ما بقى منه لأفراد عائلته.

غريزة الخير

ويطالب د.الأزهرى بضرورة إشراك الأطفال فى التوزيع، لتنمية غريزة الخير فى نفوسهم وحثهم على مساعدة الفقراء، موضحا أن العيد فرصة عظيمة لصلة الأرحام، ولقاء الأصدقاء والجيران على الخير ونبذ الفرقة و الشحناء، مشددا على ضرورة غسل المرء لقلبه وبدنه بماء واحد، فلا يخرج من داره إلا وقد خلا قلبه من كدر الأحقاد، لقوله تعالي: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )، ويتحقق فيه قول النبى الكريم الذى رواه مسلم: (ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).

عيد الفداء

ومن جانبه يقول د.الليثى حمدى خليل أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع أسيوط، إن عيد الأضحى هو عيد الفداء حيث فدا فيه الحق سبحانه وتعالى بكبش من السماء سيدنا إسماعيل ورحم والده أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم، مشيرا إلى أنه منذ ذلك اليوم وقد صار يوم للتضحية بتقديم النسك لله تبارك وتعالى بالحج إلى بيته الحرام، وتقديم الأضاحي، مشددا على الأغنياء ألا يبخلوا وأن يضحوا، أما الفقراء فقد ضحى عنهم سيد المرسلين وخاتم الأنبياء حينما ذبح أولا عن نفسه وعن آل بيته وثانيا عمن شهد لله سبحانه وتعالى بالوحدانية وشهد له بالرسالة والتبليغ، لافتا إلى أن النبى الكريم عندما نحر فى يوم الأضحى وقدم الأضاحى للفقراء حتى يوم القيامة إنما كان ذلك منه ليعلمنا درسًا فى التكافل الاجتماعي.

حقوق الفقراء

مشددا على ضرورة مراعاة الأغنياء لحقوق الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى فى أضحياتهم لأن فى ذلك إعلاء لقيمة التكافل الإجتماعى فى الإسلام كما بينها لنا الخليل المصطفى ولنا فيه أسوة حسنة، مضيفا أنها أذا كانت حقا للفقراء على الأغنياء فمن باب أولى أن تقدم للأقربون وذوى الأرحام مصداقا لقوله تعالي: (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) وما جاء فى الحديث القدسى من أن حق الرحم تعلق بعرش الرحم وقال: (يارب يارب يارب قال لها: مالك، قالت: أوصلنى قال لها: ألايكفيك أن من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته)، منبها على ضرورة أن يحرص المسلمون فيه على زيارة الأقارب والمبادرة إلى التسامح ونسيان الماضى بما يحمله من شحناء وبغضاء لأنه يوم سرور وفرح ومودة.

أبواب الخير

ويوضح أنه إذا كان قدر لبعض عباد الله فى هذه الأيام المباركة الذهاب لأداء مناسك الحج، فنحن هنا علينا أن نحج فى الفقراء والأرامل واليتامى وأن نطوف عليهم ونسعى إليهم لنقدم إليهم مناسك طلبها منا رب العزة كما طلبها فى شعائر الحج، لافتا إلى أن أبواب الخير مفتوحة مصداقا لقوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ).