رمضان فرصة عظيمة للتغيير ..صيام الجوارح وبلوغ التقوى أهم مايحققه الصائم

هاني السباعي وعبدالقادر صلاح تاج الدين وعبدالفتاح خضر
هاني السباعي وعبدالقادر صلاح تاج الدين وعبدالفتاح خضر

شهر رمضان من أسرع الشهور التى تمر علينا فى السنة كلها ولعل هذا من اوجه الابتلاء والامتحان فى هذا الشهر، فهو أكثرها بركة وأكثرها سرعة فى المرور، ولعل هذا ما يتناسب مع طبيعة هذا الشهر الذى من أهم مزاياه هو التسابق على الخير، يروى عن الحسن البصرى: «الله جعل رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب فى اليوم الذى فاز فيه السابقون وخاب المبطلون». لذلك يجب أن نتعامل مع هذا الشهر السريع بعقلية ونفسية وسلوك المتسابق الذى لا يفوت أى لحظة إلا للوصول إلى الهدف الذى يسعى إليه، فشهر رمضان فرصة عظيمة للتغيير وللتخلص من العادات السلبية واكتساب عادات ايجابية فقانون اكتساب العادة يقول: أن ممارسة العادة أياً كانت إيجابية أو سلبية من سبعة أيام حتى سبعة وعشرين يوم يكسبك هذه العادة طوال العمر، وأن عدم ممارسة عادة معينة من سبعة أيام حتى سبعة وعشرين يوميا يُقلعك عن هذه العادة طوال العمر «، فمن هنا نقوم بعقد النية والاعتراف مع أنفسنا أن نستغل هذه الفترة العظيمة لنتغير فيها للأفضل وتحديد الأشياء الذى نريد أن نقلع عنها وتكون بمثابة نقطة انطلاق حقيقية لتحقيق تغيير حقيقي. التقت اللواء الإسلامى بعدد من العلماء للتعرف على الطاقة النورانية الربانية التى تحل على كل مسلم ومسلمة فيه، وكيفية الاستفادة من حلول هذا الشهر المبارك لإحداث التغيير الايجابى فى حياتنا.

يقول د. عبدالفتاح محمد خضر عميد كلية أصول الدين والدعوة الاسلامية بجامعة الازهر سابقاً وعميد كلية القرآن الكريم بجامعة الازهر بطنطا حالياً، أن شهر رمضان فرصة عظيمة للإقلاع عن التدخين، التدخين آفةٌ مرذولة من الخبائث تقضى على صحتنا وتقضى على بهجتنا، فعادة التدخين تقضى على أموالنا بل أقول للمدخن: أنت تخرب بيتك بيدك وتحول صحتك بيدك وتشيع الفساد فى المجتمع من خلال التدخين السلبى وتأثيره على الآخرين، وقد اعلنت دار الافتاء المصرية أكثر من مرة أن التدخين حرام شرعاً وحُرمته تكمن فى أنه تضييع للمال.

وأضاف أن رمضان من أعظم البيئات السماوية الخصبة لصلة الارحام، فصلة الأرحام فى كل ايام العام لكن على سبيل الخصوص فرمضان له خصوصيته واهميته وايمانيته العالية التى من خلالها يستطيع كل واحد منا فى عمل مستمر أن يتخفف منه وأن يذهب لزيارة أبيه وامه واخيه وعماته وخالته وجيرانه واصحاب الصلات الاولى خاصة من الدرجة الاولى ليصنع لوناً من ألوان التجاذب الاسري، ولأن قطع الارحام يقلل الارزاق ويُنقص فى العمر وقد يعرض الانسان إلى الفساد والهلاك، قال تعالى: فَهَل عَسَیتُم إِن تَوَلَّیتُم أَن تُفسِدُوا فِی ٱلأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم أُولَـىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَىٰ أَبصَـٰرَهُم أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ أَم عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا» «محمد ٢٢-٢٤»، فالفساد فى الارض كامن فى أمور من اهمها الانسان الذى يقطع ارحامه، وقطيعة الرحم تؤدى إلى قطع الثواب من الله عز وجل وقلة الرزق وأن الرحم تدعو عليه فتقول: اللهم صل من وصلنى واقطع من قطعتي، فمن هنا جاء شهر رمضان شهر التراحم العائلى شهر الحب بين الناس شهر التداخل بين أجزاء القراية بكل انواعها وابعادها ان كان على مستوى الاب او الام ومستوى القرابة بكل انواعها، فمن أراد أن يبسط الله له فى رزقه ويبسط فى أجله فليصل رحمه.
 

اقرأ أيضاً  | فى ظل الجمهورية الجديدة.. قادة فكر وسفراء وطن يحملون مشاعل النور مصريًا ودوليًا

فضل الصلاة
وأضاف عبدالقادر صلاح معيد بجامعة الأزهر بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدسوق أن شهر رمضان بمثابة هدية من الرحمن لعباده فتح الله لهم فيه أبواب الجنان، والخير، وشهر رمضان من هذه النفحات التى قال عنها النبى صلى الله عليه وسلم «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِى أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ فَتَعَرَّضُوا لَها، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا» فالمسلم الفَطِن هو من يغتنم فرصة شهر رمضان ويغير من نفسه ويطرق أبواب الخير، ويسارع فى تحصيل ثوابها، ومن أهم أبواب الخير التى يجب على المسلم أن يسارع فى تأديتها المحافظة على الصلوات فى مواعيدها فى جماعة، فهيا بنا ننظر فى إجابة النبى صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أى العمل أحب إلى الله، فقد أخرج الإمام البخارى بسنده إلى ابن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِى بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.

فلن نجد عملا أفضل من أداء الصلاة على وقتها نتقرب به إلى الله تعالى، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قدمه على بر الوالدين، وعلى الجهاد فى سبيله، كيف لا والصلاة عماد الدين.

فالمحافظ على الصلاة فى جماعة يفوز بالثواب الذى يُضّعف حتى يصل إلى خمس وعشرين درجة كما فى هذا الحديث، وفى رواية سبع وعشرين درجة، بل الأجر يلاحق المصلى فى المسجد حتى فى خطواته فكل خطوة يُرفع بها درجة، ويُحط عنه بها خطيئة، ويلاحقه بعد صلاته باستغفار الملائكة له.

قراءة القرآن

إذا هناك علاقة بين رمضان، والقرآن فى الدنيا، وهناك علاقة أُخراوية فإن من صام رمضان، وتلا آيات القرآن مخلصًا وجهه لله تعالى نال الشافعة فى الآخرة فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ : رَبِّ إِنِّى مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِى فِيهِ ! وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ - فَيُشَفَّعَانِ».

إذا هذه العلاقة بين رمضان، والقرآن، والصيام لابد أن تدفع المسلم إلى المسارعة فى الخيرات متبعًا النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا، وكى ينال الثواب والأجر الكمال، كما أن قراءة القرآن لها أجر كبير وثواب عظيم، فقارئ القرآن قد ينال من الأجر جبال من الحسنات ولا عجب ففى حديث ابن مسعود قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» .

شهر الجود والكرم

من جانبه يقول د. هانى السباعى مدير مديرية أوقاف البحر الأحمر إن شهر رمضان يمتاز بالمواساة والتراحم والجود والكرم والتكافل بين المسلمين، حيث حثّ الإسلام على الصدقة فى هذا الشهر توثيقا لرابطة المسلمين بعضهم مع بعض، وسدا لحاجة الفقراء والمساكين، ولهذا السبب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجود الناس فعن ابن عباس، قال كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أجودَ الناسِ بالخيرِ ، وكان أجودَ ما يكون فى رمضانَ  حين يلقاه جبريلُ وكان يلقاه جبريل كل ليلة فى رمضان ، حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ» أخرجه البخارى ومسلم.

وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم فى رمضان خاصة أكثر لثلاثة أسباب:
السبب الأول: لمناسبة رمضان، فإن رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، فيتقرب فيه العبيد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.
السبب الثانى: كثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن فى رمضان، والقرآن فيه آثات كثيرة فى الحث على الإنفاق فى سبيل الله، والتقلل من الدنيا والزهد فيها والإقبال على الآخرة، فيكون فى ذلك تحريك لقب الإنسان لأن ينفق فى سبيل الله، وحرى بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة فى سبيل الله.

السبب الثالث: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل فى كل ليلة ولقاؤه لجبريل من باب مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد فى الإيمان وتحث على الطاعة، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة فى رمضان.

صيام الجوارح

ويضيف: إن من أهم وسائل التغيير فى رمضان، تعويد الجوارح على الصيام وقد سميت الجوارح جوارحاً؛ لأنها تجرح فى دين العبد، ولكن كيف تصوم هذه الجوارح؟ هذا ما سوف نقف عليه فى هذا اللقاء فأعيرونى القلوب والأسماع وأسال الله أن يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصيام اللسان يكون بالإمساك عن فضول الكلام والخوض فى الباطل والمراء، والخصومة والكذب والنميمة والفحشاء والجفاء، واللعن والسخرية والاستهزاء. 
وأخرج الحاكم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عله وسلم قال: «ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سَابَّكَ أحدٌ، أو جهل عليك، فقل: إنى صائم إنى صائم» .

فمَن لم يصن لسانه عن الغيبة والنميمة والبهتان؛ فاته تحقيق الحكمة من مشروعية الصيام، فقد قال تعالى: ‭{‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‭}‬ ومن المعلوم أن مفهوم التقوى هو فعل المأمور واجتناب المحظور، وصيام الأذن يكون بالبُعْد عن سماع الحرام، وعن كل ما يغضب الرحمن  وهكذا بقية الجوارح .