د. أحمد زايد يكتب: دروس الثلاثين من يونيو

د. أحمد زايد - مدير مكتبة الاسكندرية
د. أحمد زايد - مدير مكتبة الاسكندرية

شكل هذا التاريخ نقطة تحول كبيرة من التاريخ المصرى المعاصر، لقد كان الشعب المصرى فى هذا اليوم على موعد مع الخروج الثانى مطالبًا هذه المرة بإزاحة حكم الوصاية والاستبداد والإرهاب الذى مارسته جماعة استولت على السلطة باسم الدين، بعد أن شعر أن الهدف الرئيسى فى العيش الكريم المطمئن الذى طالب به الخروج الأول بات هدفًا بعيد المنال، وتحتاج الأحداث التى صاحبت هذا الخروج الثانى إلى مزيد من التأمل والدرس واستخلاص العبر التى يستفاد بها فى صناعة مستقبل هذا الوطن.

ومن أول الدروس التى تستفاد من هذا الموقف، أهمية كشف قناع الزيف والخداع فى استخدام الدين فى عالم السياسة، لقد تربع الإخوان على عرش البلاد باسم الدين، ولكن حكمهم لم يكشف عن أى علاقة صحيحة بالدين، فقد تقولوا، وفرضوا إرادتهم، ومزقوا الوطن شر ممزق، وفتحوا أبواب البلاد إلى دخول الإرهاب ومن خلفه مختلف القوى الفاعلة على المسرح الإقليمى والدولي، والتى تتآمر على استقرار هذا المجتمع، ويدعونا هذا الدرس إلى أن نفصل بشكل قاطع وجوهرى بين ما هو دينى وما هو وطني، وأن نعمل بشكل دائم على إبعاد الدين عن مسرح السياسة، فالدين له قداسته العليا، وهو يتلون ويبعد عن مقاصده عندما تدخل عليه منافع السياسة ومصالحها، خاصة عندما تكون هذه المصالح ضيقة ونفعية.

وثمة درس هام آخر يجب أن نعيه، مفاده أن التكاتف والتساند هو الذى يُمَكن من تحقيق الأهداف، لقد خرج الشعب كله بجميع طبقاته وفئاته، كما خرج جيش الشعب مساندًا ومؤيدًا، ولقد أدى التكاتف مع قواته المسلحة، إلى تحقيق المقاصد النبيلة لهذا الخروج الكبير، والمعنى العميق الذى يمكن أن يشتق من هذا الموقف، هو أن أهدافنا فى الوقت الراهن لن تتحقق على نحو ما نرجو إلا بقدر كبير من التكاتف والتساند، فالالتفاف حول الهدف الواحد يساعد مساعدة كبيرة فى تحقيق أهداف التنمية، ذلك أن الخلاف والتنافر، والانتقادات غير البناءة، أو حتى الانسحاب من المشهد والامتناع عن المشاركة، كلها تتنافى مع مبدأ التساند والتماسك، ومن ثم فإنها تعطل المسيرة وتشتت الجهود وتفرقها. فالتنمية تقوى ويشتد عودها إذا ما استندت على قاعدة قوية من التماسك الاجتماعي. 

وأخيرًا وليس آخرًا، فإننا قد نشير إلى درس هام ربما يكون أهم الدروس جميعًا، وهو يتعلق بوضوح الهدف، ووضوح الطريق إلى تحقيقه، لقد كان الهدف واضحًا، وهو انقاذ المجتمع من براثن جماعة مستبدة هادمة، ولقد أدى التلاحم بين الشعب وجيشه، أن اتخذ هذا الهدف قوة فى حد ذاته، وأكثر من هذا فقد أدى إلى رسم معالم طرق محددة، لم تترك الأمور هنا للصدفة، ولم تترك لكى تخطف من قبل قوى خارجية أو داخلية لا تريد بالمجتمع المصرى خيرًا، إن خطة الطريق التى وضعها القائد العام، وخلق اجماعًا عليها، ثم تنفيذها بدقة فيما بعد، كانت عاملاً هامًا فى النجاح فى تحقيق الهدف، وكل هذا يشكل - من جانب آخر- درسًا هامًا يُستفاد من هذه الخبرة التاريخية ذات «العلامة» فى تاريخنا الحديث.