حكايات من قلب روسيا| أسرار أنفاق «دونباس» وكهوف «ماريوبول»

أنفاق دونباس
أنفاق دونباس

كتب أيمن موسى

عندما دخلت روسيا بقواتها إلى «دونباس» كان أحد الأسباب التي استندت إليها لتبرير التدخل هو اكتشاف ووجود أبحاث سرية في أماكن مختلفة فى هذه المنطقة للإضرار بالأمن القومي والشعب في روسيا، ويبدو أن موضوع الأبحاث السرية والأسرار التي ترقى لمستوى الخيال ليس بالأمر الجديد على دونباس التى ظل سكانها يتناقلون على مدار عقود طويلة الكثير من القصص عن وجود أبحاث سرية على البشر، وعن وجود أنفاق سرية وأشباح وربما مخلوقات مجهولة.

دونباس ظلت تشتهر بأنها عاصمة المناجم التى ظلت تدر على أوكرانيا الكثير من الأرباح، وفي غضون ذلك كان باطن هذه الأرض يحتضن ليس فقط المناجم، حيث تدور أحاديث عن أنفاق للمترو وملاجئ ضد القنابل الذرية ونهر ومستشفى عسكري وما خفي كان أعظم، والأهم هو ما يؤكده السكان من أن غالبية كافة هذه المنشآت هى من صنيعة المخابرات السوفيتية التى كان يطلق عليها اسم «كى جى بى ــ لجنة أمن الدولة».

وكان هناك عالم فيزياء محلي، هو الذي فجر موضوع المترو السري في دونباس، إذ يشير إلى أنه شارك فى الثمانينيات من القرن الماضي في مشروع لعمل مترو أنفاق، وبعد أن بدأت الأعمال بفترة تم العثور على فتحات وأنفاق تحت الأرض ولم يكن أحد يعلم أي شيء عن هذه الأنفاق، حيث حاول هذا العالم الاستفسار لدى جهات كثيرة ولم يعثر على أي رد إلا بإيقاف الأعمال فورا وإغلاق الأنفاق التى تم حفرها بالفعل، وبعد ذلك وفي التسعينيات من القرن ذاته لم ينس هذا العالم الموضوع وشرع فى الاتصال بالعديد من الجهات، ولكنه لم يحصل على أي رد منطقى باستثناء روايات متضاربة ولكن كلٌ منها له منطقه.


الرواية الأولى ترتبط بوجود أنفاق كانت مخصصة لتنقل أعضاء الحزب الشيوعى وكبار المسئولين والنابغين فى مختلف القطاعات إلى مخابئ سرية فى حال نشوب حرب ذرية، والفرضية الثانية تذهب إلى أنه عندما كانت السلطات وقتها تحفر لعمل مترو أنفاق تم اكتشاف كميات كبيرة من الماس، فصدرت الأوامر بإنهاء الأعمال ووضع الأنفاق تحت سيطرة الـ«كى جى بى».

وقد يعتقد البعض أننا نتحدث هنا عن واحدة من روايات الخيال العلمى أو أفلام الرعب ولكن لو صحت هذه الرواية فسيكون واقعنا أكثر وحشية من الخيال العلمى ذاته، والحديث هنا يدور عن مدينة ماريوبول التى تابعنا أخبارها على مدار شهور طويلة من الحرب المستعرة فى دونباس، حيث تحتوى هذه المدينة على الكثير من الكهوف تحت الأرض التى أطلق عليها السكان المحليون «الدهاليز» أو «الحضانات»، ويقولون إن الـ «كى جى بى» كان يستخدم هذه الكهوف كمعامل سرية لإجراء التجارب على البشر والحيوانات لمعرفة تأثير الإشعاعات المختلفة عليهم.

 

ويقال إنه فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت هذه الأبحاث تجري بكثرة، ورغم تأمين المنطقة وإحاطتها بالأسلاك الشائكة والموانع المختلفة إلا أن المسوخ كانت تتسرب من المعامل فى بعض الأحيان وتدخل القرى المجاورة، حتى أن أحد الأجداد يتذكر أن قريبته اشتكت من أن الأطفال يرشقون بيتها بالحجارة لذلك تجمع عدد من الرجال وانتظروا المشاغبين فوق سطح المنزل ليلقنوا المشاغبين درسا، وعندما حل الليل سمعوا صرير باب الفناء وهو ينفتح فهرعوا للإمساك بالمشاغبين إلا أن المقتحمين لاذوا بالفرار فى اتجاه الكهوف ولم يُعثر لهم على أثر.

ويتحدث آخرون عن مصادفتهم لثعابين عملاقة كانت تخرج من الكهوف رغم أن هذه المنطقة لم تعرف فى حياتها هذه النوعية من الثعابين وبالتالي هذه الأحجام الضخمة، بينما يؤكد آخرون أنهم لاحظوا فى بعض الأوقات وجود فئران كبيرة ولكن لها القدرة على الطيران، حيث تبين أنها ليست فئرانا، بل نوع من الحشرات التي تشبه كثيرا الفئران التى لم ير أحد لها مثيلا من قبل أو بعد، وهناك روايات أخرى تصب فى ذات الاتجاه وهى أنه لم تكن هناك أية معامل سرية وأن هذه الكهوف ليست سوى مناجم يورانيوم، وهذا هو ما يفسر القراءات الشعاعية التى تخرج منها والمسوخ التى ربما تحتويها بسبب التعرض للإشعاع سواء بالنسبة للحيوانات أو المشردين الذين ربما لجأوا لهذه الكهوف.


وأخيرا الأسطورة الشعبية الأكثر تداولا فى دونباس التى تخص شبحا يطلقون عليه «شوبين ــ أو صاحب المعطف»، وهذه الأسطورة تقول إن هذا الشبح يتواجد فى المناجم وأنه ينذر العمال عند قرب وقوع الحوادث، وكانت هناك حالات كثيرة أكد فيها عمال تعرضوا للحوادث أن شبحا ما هو الذى أنقذ حياتهم وأخرجهم من المناجم بعد تعرضها للحوادث.

وتقول الأسطورة إن هذا الرجل كان يعمل فى المناجم فى نهاية القرن التاسع عشر وفى ذلك الوقت لم تكن هناك تهوية فى المناجم، لذلك كان هذا الرجل يرتدى ما يشبه المعطف المكون من أجزاء كثير من جلد الماعز بعد أن يغمرها فى الماء، وكان يتجول بين دهاليز المناجم وعندما يكتشف مصدرا للخطر كان ينذر العمال بشكل أو بآخر حتى ينجوا بأنفسهم من الكوارث ومن لم يسعفه الحظ للخروج فى الوقت المناسب كان ينتشله ويخرجه ثم يعود للمناجم والكهوف من جديد.

 

مدينة «المليــون وردة» تهـــزم الحرب

لم تمنع أجواء الحرب، وظروفها القاسية التى تمر بها دونيتسك، سكانها من مواصلة ما اعتادوا عليه منذ ستينيات القرن الماضى من زراعة الزهور والورود مع قدوم موسم الربيع، ففي ستينيات القرن الماضي، قررت السلطات المحلية فى دونيتسك استحداث تقليد جديد، وهو إلزام كل منزل بزراعة ولو وردة واحدة أمامه، ومع الوقت اكتسبت المدينة شهرتها المعروفة بمدينة «المليون وردة»، علما بأن سكان المدينة قد دأبوا على زراعة ما لا يقل عن مليون وردة كل عام.


وتم التحضير بالفعل لهذه المناسبة، حيث تم استزراع شتلات الورود فى الصوبات بحيث ستقوم السلطات المحلية بتوزيعها على السكان لمواصلة تقاليدهم المحبة للحياة رغم ظروف الحرب التى يعيشونها منذ سنوات طويلة.

والحقيقة أن الورود ليست هى الشيء الوحيد الذى يزين المدينة مع مقدم الربيع، حيث تشتهر مدينة دونيتسك بنوافيرها الجميلة، ولكن هذا العام تخشى السلطات المحلية من عدم تمكنها من تشغيل النوافير لعدم كفاية المياه اللازمة لذلك حيث تفضل السلطات توفير المياه للاستخدام اليومى للمواطنين فى ظل شح المياه التى تعانى منها المدينة بعد قرارها الانضمام لروسيا، وهو ما دفع أوكرانيا لوقف ضخ المياه عبر قناة «دونيتسك الشمالية».

ويبدو أن دونيتسك هي من المناطق التى يأبى شعبها إلا أن يكون لهم طابعهم الخاص بغض النظر عن التقلبات والتبعيات السياسية، فنشأة هذه المنطقة ترتبط برجل صناعة يدعى جون هوجيز حيث كان هذا الرجل قد أنشأ مصنعا فى عام 1869 للمعادن وأقام إلى جواره قرية صغيرة للعمال، حيث تم إطلاق اسمه على المنطقة وأصبح اسمها «يوسوفو»، وشهدت المنطقة تطورا كبيرا على مدار العقود المتعاقبة حيث تم بها بناء الكثير من المصانع الهامة فى مجال صناعة الماكينات والكيماويات والكثير من الصناعات التى أكسبتها أهمية كبيرة ومع ذلك ظلت تحتفظ بذات الاسم حتى قيام الاتحاد السوفيتى وانضمام أوكرانيا إليه ليتم تغيير اسم المدينة إلى «ستالينو» نسبة إلى الزعيم السوفيتى السابق جوزيف ستالين وذلك فى أكتوبر من عام 1923، ورغم أن ستالين ذاته لم يعش بها يوما واحدا، ثم تعرضت المدينة للاحتلال خلال الحرب العالمية الثانية وتعرض الكثير من منشآتها للدمار، وسرعان ما تم تحريرها على يد القوات السوفيتية وبدأت بها حركة إعادة تعمير واسعة النطاق وتغير اسمها فى عام 1961 ليصبح دونيتسك نسبة إلى نهر الدانوب المعروف لتحتفظ بهذا الاسم وطابعها الصناعى المتطور حتى الآن، لكن أكثر ما يجب أن يثير الإعجاب هو إصرار سكان المدينة والإقليم بصفة عامة على الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم وطابعهم الخاص بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى ومن أهمها ولعهم بالزهور والطابع المعمارى والجمالى لمدينتهم.

«الكرملين» حريص على العلم

فى خضم العمليات العسكرية والمواجهة والتنافس مع الغرب تحرص القيادة الروسية على مواصلة الاهتمام بالعلم والعلماء، حيث أكد ديمترى بيسكوف السكرتير الصحفى للرئيس الروسى خلال أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر التاسع للعلوم فى روسيا تحت شعار «حرصا على الولاء للعلم» أنه ينبغى على روسيا العمل بقوة لتحقيق سيادتها العلمية، وأشار إلى فى غضون ذلك إلى أهمية التعاون الدولى فى مجال العلوم، على أن يكون ذلك على أسس جديدة تتفق مع الواقع الذى تعيشه روسيا من التواجد فى محيط معادٍ لها.. وأكد بيسكوف أنه إذا كانت روسيا قد قطعت شوطا لا بأس به فى مجال السيادة الاقتصادية، إلا أن الأمر يتطلب قبل كل شيء تحقيق السيادة العلمية التى تتصل بها كافة مناحى ومقومات الدولة فى روسيا، كما شدد على أنه رغم ما تعرض له قطاع التعاون الدولى فى مجال العلوم والأبحاث فى روسيا إلا أن ذلك لا يعنى مطلقا الانغلاق على النفس والاعتماد على المصادر الداخلية، حيث حذر من أن ذلك سيعيد روسيا إلى العصور الوسطى.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 22/3/2023