ماء السماء يفتح أبواب الرزق | موسم السيول .. خــير وبــركـــة

موسم السيول
موسم السيول

محمد مخلوف   ـــ   ندى البدوى

ربما يظن البعض أن الأمطار والسيول تُعدّ نقمة على مَنْ يعيشون فى المحافظات الصحراوية، وقد كانت هكذا بالفعل على مدى سنوات مضت، خصوصًا أولئك الذين يقيمون فى بيوت قُرب مخرّات السيول، لكن تبدّل الحال وباتت مياه السماء مهما اشتدت قوتها وكثافتها نعمة ومفاتيح لأبواب الرزق.. هذا ما سنعرفه من خلال سكان الشلاتين وشمال سيناء ومطروح.

وبخلاف عشق الكثير من المصريين للشتاء واستمتاعهم بنزول الأمطار التى تغسل الشوارع وتمنحها مزيدًا من البريق، فإن الأمطار تمثل الخير والبركة لسكان بعض المناطق الصحراوية، حتى أنهم ينتظرون بفارغ الصبر حلول موسم السيول لتدب الحياة فى زراعاتهم وينبت معها الخير.
فى هذا الملف نلقى الضوء على أهالى تلك المناطق التى كانت تتضرر من السيول، وكيف أصبحوا يستقبلونها بالفرحة والزغاريد، كما نستعرض جهود الدولة وخطتها القومية للحد من مخاطر السيول، فقد حرصت على الاستفادة من كل قطرة ماء، فأنشأت مخرات السيول التى تتناثر بين الوديان لاستخدامها فى الزراعة وتخزينها فى البحيرات الصناعية أيضًا، لتصبح سببًا فى الرزق والخير، بعد أن كانت واحدة من أسباب تدمير المنازل المتواضعة وتشريد مئات الأسر.

سكان الشلاتين: نقمة تحولت لنعمة بفضـل الســــدود والبحـيرات

يعتقد البعض أن هطول الأمطار فى حلايب وشلاتين يمثل كارثة إنسانية، وتكبد الأهالى الكثير من المشاق، لكن بعد إنشاء العديد من المخرات والسدود تحولت هذه البقعة من أرض مصر إلى قطعة من الجنة، واكتسى جبل علبة بحلةٍ من الجمال الرباني، وبات الخير يعم أرجاء المدينة.

يقول حسن أحمد، أحد أهالى مدينة الشلاتين بمحافظة البحر الأحمر: «نجحت الحكومة فى تحويل الأمطار من نقمة أو مصدر خطر إلى نعمة ومصدر خير، حيث كانت تأتى الأمطار فتدمر المنازل وتتسبب فى وفاة العديد من الأهالى والحيوانات، لكن فى السنوات الأخيرة أنشأت محافظة البحر الأحمر سدودًا ومخرات سيول للحفاظ على هذه المياه والاستفادة منها فى الزراعة، كما جرى إنشاء مزرعة وادى حوضين بالشلاتين بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة من خلال عمل صُوب زراعية ومزارع سمكية ومزارع دواجن، ويتم الاعتماد بشكل رئيسى على مياه الأمطار التى جرى تخزينها فى البحيرات الصناعية كمصدرٍ للرى والزراعة».
يتابع: «ينتظر أهالى الجنوب موسم الأمطار ليستمتعوا بجمال وسحر الطبيعة، خاصة فى محمية جبل علبة التى تحوِّلها الأمطار من صحراء جرداء إلى جنة الخضراء، حيث تنمو الزراعات وتكتسى باللون الأخضر، وتظهر أسراب من الطيور بأشكالها المختلفة ويصبح المظهر العام أشبه بلوحة فنية بديعة من صنع الخالق عز وجل، كما يستفيد منها أبناء الجنوب فى توفير غذاء الحيوانات من خلال الرعى سواء للإبل أو الأغنام».

السيناوية: نستقبلها بالزغاريد

لا يختلف الأمر كثيرًا فى محافظة شمال سيناء، فتساقط الأمطار يعد موسم الفرحة لدى كل مواطن سيناوي، وتستقبلها السيدات بالزغاريد وتتشح المنازل بالزينات المبهجة، ويحرص مشايخ القبائل على إقامة الولائم والاحتفالات.
يقول الشيخ على فريج، رئيس مجلس القبائل العربية السابق، وأحد مشايخ شمال سيناء: "ننتظر المطر من العام إلى الآخر، ونعتبره موسم الخير والرحمة والحياة، وهذا ما يجعلنا مختلفين عن أبناء العديد من المحافظات الأخرى فى التعامل مع الأمطار، بل يصل الأمر إلى أننا نصلى صلاة الاستسقاء تضرعًا إلى الله حال تأخر نزول الأمطار، التى نستقبلها بفرحة كبيرة، ونجهِّز (الهرابات) لتجميع المياه، والهرابة عبارة عن غرفة أسمنتية كبيرة تُشيَّد تحت الأرض، لكنها تُبنى بطوب ولبنات مخصصة لهذا الغرض لكى تحمى المياه، ويجرى تبطينها من الداخل بعد صبها بالأسمنت المكثف حتى لا تُسرِّب المياه، ولها فتحة صغيرة من الأعلى قطرها 40 سنتيمترًا.
يضيف: "نشكر الحكومة لتنفيذها مشروعاتٍ لحجز وتخزين مياه الأمطار والسيول والاستفادة منها فى محافظة شمال سيناء عمومًا وفى مناطق الحسنة ونخل بوسط سيناء على وجه الخصوص، حيث تكون الأمطار والسيول فيها شديدة، كما يجرى التجهيز للاستفادة من مياه سد الروافعة بوسط سيناء بإنشاء مزارع سمكية وتركيب مواتير سحب مياه لرى المناطق المحيطة، وكذلك إنشاء سدود وبحيرات صناعية على مخرات السيول، وهرابات أرضية لحفظ المياه المهدرة، بمركزى الحسنة ونخل بوسط سيناء، بهدف إعادة استخدامها فى الزراعة وتنمية الثروة الحيوانية..

أهالى مطروح: نعتمد عليها فى الشرب والزراعة

يعتمد الأهالى فى محافظة مطروح على مياه الأمطار والسيول فى رى أراضيهم الصحراوية، والاستفادة منها فى تنمية ثرواتهم الحيوانية خاصة الإبل والخراف، ومؤخرًا أصبح هذا الموسم عنوانًا للخير وحلول البركة عليهم، بعد افتتاح العديد من مخرات السيول القوية.

يقول الشيخ عبدالله الزيات، رئيس عُمد ومشايخ مطروح: «طبيعة مطروح مختلفة عن باقى محافظات مصر، والحاجة أم الاختراع، لذا كانت جهود الدولة والأهالى بإنشاء سدود لتجميع المياه للشرب بالنسبة للإنسان والحيوان، فالسنة التى تكون تنزل فيها أمطار كثيفة نعتبرها سنة خير، وكلما زادت الأمطار كبرت فرحتنا، ولكن رغم كثرة المشروعات التنموية فى مطروح والتى نوجه الشكر للقيادة السياسية عليها، فإن نصف كمية الأمطار لا يزال يُهدر ولا يُستفاد منه، حيث يتم توجيهها إلى البحر المتوسط، ويجب الاهتمام بشكل أكبر باستثمار هذه المياه من خلال الاعتماد على الأساليب العلمية الحديثة للاستفادة من هذه المياه المهدرة».

يتابع: «نستفيد من الأمطار فى أعمال الزراعة، ومن أبرز هذه الزراعات البطيخ والشعير والقمح، كما نزرع أشجارًا مثمرة ونرويها بمياه الأمطار، مثل التين والزيتون والخوخ واللوز، وجميع هذه الزراعات لا تصلح زراعته إلا فى الوديان، ومطروح من أنسب وأفضل المحافظات لزراعتها، وفى حالة تأخر نزول الأمطار نصلى صلاة الاستسقاء وندعو الله أن يُنزِل الأمطار، فهى تعتبر مصدر الشرب لأكثر من ثلث سكان مطروح فى القرى والتجمعات الصحراوية، وتقوم عليها الحياة، ولها تأثير كبير فى الاقتصاد والدخل بالنسبة للأهالي، ويوجد عدد من محطات تحلية المياه أُنشِئت ضمن مبادرة (حياة كريمة) فى القرى التى وصلت إليها المبادرة».

اقرأ أيضأ : بعد تعرضها لأمطار رعدية.. رفع درجة الاستعداد في سيناء  تحسبا لحدوث سيول