بضاعتكم ردت إليكم

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

..كانت مصر تغلي حين أحست بالخطر يتهددها؛ فـ هب المصريون هبة رجل واحد يوم 30 يونيو عام 2013، ضد جماعة نفعية انتهازية تظاهرت بالدين «لفوه» ووضعوه في تابوت، دفنوه واستراحوا؛ مثلما فعل اليهود بدفن عهد موسى في التابوت، جماعة مثلما أجادت القتل والتدمير والاغتيالات وعلى نفس الدرجة أجادت التحول دون حياء أو عناء، كانت مصر تغلي حينما طفح الكيل من جماعة إرهابية اكتسبت عراقة إجرامية من الأصول العشرين التي وضعها إلههم المعبود مؤسس شجرة الإرهاب في العالم البنا الساعاتي، ومفتي الدم والتكفير سيد قطب في كتابة «معالم في الطريق»، ليس عذرًا أن أقول جماعة تخلصت من قيود الأخلاق، عاشت بيننا عبر تاريخها بازدواجية تتجذر عميقًا، فاندفعوا مندسين يرتدون ثوب التقوى – مستغلين العاطفة الدينية بأدق التدين السطحي– عند أغلب المصريين وعلى طريق الراهب الروسي راسبوتين؛ فإذا لم تستطع أن تكون فاجرًا فكن واعظًا – هكذا طبقت الجماعة مبدأ هذا الراهب وجعلته دستورًا لها.
 اختبرهم المصريون عامًا كاملًا، قبل أن تضيق نفوسنا ويحاصرونها في سراديب ضيقة؛ لم يعد معها سوى أن يهب المصريون في طوفان بشري يوم 30 يونية ليكون تاريخًا مفصليًا لا في تاريخ مصر فقط ولكن في تاريخ العالم أجمع، وكانت القوات المسلحة من منطلق دورها في حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، صدى لهذه الملايين التي احتشدت في كل ميادين وربوع مصر كلها، ولا تزال ثورة المصريين ضد الفاشية الدينية في 30 يونيو ملهمة لبعض شعوب الأرض الراغب في استعادة حريته.
جماعة وصفها وكيل النائب العام ذات يوم في إحدى مرافعاته؛ حين قال واصفًا عصابة الشياطين: «إن الإخوان وطأت الدين سبيلًا للدنيا واتخذت من الدعوى الى الله ستارًا للتمدد بلا رقيب أو حسيب بل وبلغت فيما يسمونه بالبراجماتية السياسية حد الخيانة».
وأضاف ممثل النيابة الشجاع وقتها فاضحًا عقيدتهم الفاسدة في مرافعة تاريخية فصيحة ومعبرة: «ان التلون أصل والتقية مبدأ والنفاق درب وسبيل، فالجماعة وبغير خوض في هجاء لزم تاريخها أن يكون مكررًا جماعة الإخوان الإرهابية فهى لب دعوانا بعدما التحفت بعباءة الإسلام لتستر هيكلًا تنظيميًا ومسخًا فكريًا جعل من الخوض في منهجها طعنًا في أصول الدين وثوابته، بدلوها كما بدل أحبار اليهود شريعتهم حتى تقام بالإفك دولتهم»، وشبه ممثل النيابة وقتها سيرتهم بسيرة الصهاينة.
نعم، ارتكبوا الآثام ولم يعترفوا يومًا أنهم عملوا شرًا؛ فماذا فعلوا في الماضي مع الدكتور طه حسين، والدكتور محمد الذهبي، والدكتور فرج فودة، والمفكر خالد محمد خالد، وأستاذ العقيدة والمجدد الراحل دكتور نصر حامد أبو زيد؟!، هم مثل جماعة من اللصوص وقفوا - فجأة – أمام متجر كبير، بشارع حيوي مهم اختاروه بعناية، ثم دخلوا المتجر، وبلا سابق إنذار أخرجوا أسلحتهم وطردوا أصحابه بالقوة، ودخلوا هم، جلسوا على المكاتب، وانتشروا في الأركان والزوايا، يزاولون عمل المحل، واضعين على أعينهم «عوينات اللصوص» ووضعوا البنادق أمامهم، وبأيديهم وأحزمتهم غدارات - وهي عصا غليظه حُفر داخلها تجويف يختبئ وسطه سيفٌ حاد، ثم كان منهم رفقاء خارج المحل، مكلفون بالصعود على سلالم لنزع اللافتة، وتعليق لافتة جديدة معدة من قبل، كتبوا عليها «مكتب لصوصية» ثم علقوا بالداخل لافتة في ركن منزو، دونوا فيها «والله المستعان»، ولأنهم أخطر من جماعة الرافضة؛ هم أول من وضعوا أيديولوجية التطرف والطائفية والتعصب في غابر الزمان، وكما وصفهم الكاتب والمحلل الإسباني «خورخى كاتشينيرو» قائلًا: «إن أصول الإرهاب اليوم هي جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست في مصر على يد حسن البنا في عشرينيات القرن الماضي، وكانت تهدف إلى بناء الخلافة بعد تفكك الامبراطورية العثمانية في عام 1923، ومن هنا جاء الهوس الحالي لتنظيم داعش وأتباعه لإقامة دولة الخلافة الخاصة بهم».
هل أدرك الغرب الآن أن خطر الإرهاب الذي يواجهونه في أبشع وأحط صوره هو نفس الخطر الذي واجهته مصر وحاربته وقضت عليه نيابة عن العالم على مدى السنوات الماضية؛ فإذا كانت المافيا، وهي المنظمة الإجرامية التي ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر وتكونت من خلال تحالف عصابات إجرامية عالمية وفق قواعد سلوكية واحدة، أيضًا لا تقل عصابة الإخوان عراقة في الإجرام عن المافيا، فأوجه الشبه كبيرة جدًا بين عصابات المافيا وتنظيم الإخوان الإجرامي في التربية والتشكيل والأهداف، فالعقلية الإرهابية تجدها دائمًا وتبريرًا لتصرفاتها ترفع شعار الهوية الدينية بديلاً عن المواطنة، وهذه هي فلسفة الإرهاب التي روج لها عصابة المقطم من بداية النشأة علي يد مؤسسها حسن البنا أول من زرع الفكر الإرهابي في العالم، مرورًا بسيد قطب منظر التكفيريين الأول حتى آخر جيل لـ بديع والشاطر وعزت وكمال والدمية مرسي؛ أن تعادي جميع المجتمعات في الشرق والغرب، فما تظنه القارة العجوز أنها بمنأى من الاستهداف المباشر للتظيمات الإرهابية هو محض خيال ووهم؛ والدليل على هذا ما انتبهت إليه برلين أخيرًا؛ فـ نبهت دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب ومقره ألمانيا من أن تنظيم الإخوان وغيره من تنظيمات الإسلام السياسي تسعى إلى استغلال الديمقراطية والجاليات المسلمة بهدف التقرب لصانعي القرار الألماني والأحزاب لتحقيق أهداف سياسية وإعادة تشكيل المجتمع الألماني، إنها بضاعتكم ردت إليكم.
ما يجب أن نسعى إليه الآن؛ هو ضرورة تأسيس مشروع حضاري تنويري، يؤمن بالعلم وحده، وأن الدين هو علاقة خاصة جدًا بين الإنسان وربه.

[email protected]