تساؤلات

المحرر الأخضر

أحمد عباس
أحمد عباس

اختلف الحاضرون وأنا منهم حول كيف أن نكون نافعين ونتواءم مع متطلبات دخول العالم الجديد بمعطياته المختلفة تمامًا عما ذى قبل، وكيف لنا أن نصل الى التبدل من الوضع المقلق للكوكب بسلام دون أن يمسسنا إعصار هادر أو طوفان ساحق أو نصطدم ببركان يغدق علينا من حممه، واستعرض صديقى أن اللون الأخضر شعار الكوكب خلال السنوات القادمة، ويجب أن نتجه للوقود الأخضر والورق الأخضر ولا نعبر الاشارة الا بعد أن تُضيء بالأخضر، وكذلك نصبح كوكبًا أخضر وهذا هو طوق النجاة.


رد آخر وقال: إن الفكرة التى شرحها صديقنا سليمة لكن غير علمية وتحتاج الى مزيد من التأصيل واستطرد: يعنى أن نكف عن إنتاج البلاستيك الفتاك والوقود الاحفورى الأسود والغازات الدفيئة المُهلكة، وتساءل أحد الجالسين: نحن صحفيون فقط لا نملك تخفيض حرارة الكوكب ولا ننتج ما يضره، ولانستطيع الكف عن الرعى الجائر والصيد الجائر وكل ماهو جائر، ذلك ببساطة لأننا لا نصنع مايخنق الكوكب، إذن فما علاقتنا باللون الأخضر!
من بعيد بدا صوت ساخر وقال بعلو الحس: يعنى تبقى محررًا أخضر، والمحرر الأخضر ينفع فى اليوم الأزرق ثم دَفس الشيشة فى حلقه وراح يثير عفرة سوداء علينا.


استقام صديقنا الوجيه الأمثل وتَخَّن صوته وأردف: صحيح ده توجه سليم لازم نحقق معادلة الكوكب الأخضر ونساهم فيها، وهى ببساطة أن ننتج أخبارًا خضراء، فسأله زميل آخر: نسيب قطاعتنا يعنى ونروح كلنا نغطى وزارة البيئة!، فرد الأول: والله لو أنت فهمت كده يبقى هاتفضل فى ٢٠٢٢ زى ما أنت ولا تستاهل تعيش معانا الخمسين سنة اللى جايين، يا أستاذ أنا قصدى ننتج كلنا جمعاء أخبارًا خضراء، وبما أن العالم كله السنين القادمة سيتحدث عن كيف نجعل الأشياء من الطبيعة والى الطبيعة تعود إذن لننتج اخبارًا خضراء خالية من شيء يضرها كمنتج ويضرنا ويمكن إعادة تدويره، ثم تنهد وزفر بحرارة وقال: إن عشنا يعنى وكنا من أهل الدنيا، ثم إنك تقدر تكسب فلوس من موضوع الأخضر ده وأهو على الأقل تدفع لنا حساب المشاريب دي.
فتدخل زميل جديد وأوضح أن هذا يمكن له أن ينطبق على كل من ينتج منتجًا ما ولم يحدد قال: أى منتج والسلام المهم يكون بيطلع حاجة لكننا صحفيون ولا ننتج إلا أخبارًا وتحقيقات ومقالات ومواد إعلامية فقط، إيه بقى جاب حساب المشاريب والبراكين والأعاصير، أنا مش فاهم حاجة، واستأنف: اذا كان اللى بيتكلم مجنون خلى اللى بيستمع عاقل.. وصمت.
الى هنا التقط منه صديقنا الذى لا يدخن الخيط، وبعد أن شَدَّ سوستة مِعطفه وأغلقها حتى نهاية رقبته وحشر زوره داخلها واستعدل هيئته، وأوضح: هنا مربط الفرس تعالى نفكر بهدوء نحن ماذا ننتج، فرد الجميع فى نفس واحد: ننتج أخبارًا، فقال: عظيم، وما هى مدخلات منتجاتنا!، فأجاب الحاضرون معلومات، فرد: ممتاز، وكيف للمعلومات أن تكون خضراء!
صارت جلبة ودوشة صاخبة فى المحيط وتفرق القاعدون أحزابًا وشيعًا يضحكون ويتبادلون النكات، فكررها الرجل بصوت أجش: كيف!، فاعتدل الجميع وقالوا لا شيء أكثر من أن تكون المعلومات مُجردة من التوجهات ووجهات النظر والرأي، فأضاف بصوت حاسم: آه يعنى تبقى حقائق حاف كده من غير إضافات، حينها فقط نكون قد أنتجنا منتجًا أخضر سهل الهضم وقابلًا لإعادة التدوير ولا يؤذى الطبيعة، فقال أحدهم بصوت خفيض: أى طبيعة، هل تقرأ الطبيعة الصحف وتتابع الشاشات، ارحموا من فى الأرض، فردَّ المتكلم وقال: الطبيعة تتأذى من التضليل والتشويش والمعلومات المُضللة، والأخبار الكاذبة على حد سواء، فأعاد عليه السؤال: أى طبيعة يا بنى آدم، فأجاب: طبيعة البشر يا بنى آدم.


الى هنا كان الوقت قد داهمنا وكسرت عقارب الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وبدأ الجميع فى لملمة أغراضه استعدادًا للرحيل، حتى ظهر القهوجى اللعين بصوت مفضوح وسأل: الحساب عند مين يا رجالة عشان أنا قصة المحرر الأخضر دى ماتلزمنيش أنا أصلًا مابعرفش أقرأ!