عاجل

عبد الصبور بدر يكتب:رجل وباذنجانة ومعزة

عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر

ليس من الرائع جدا أن أتعلق بشخص، لا يمتلك سوى ابتسامة محبطة، وضحكة هستيرية تتسبب في إزعاج من حوله، ولا أدري لماذا كلما أردت الكتابة يظهر أمامي ليقترح أن يكون الفكرة والموضوع.

 

لا يوجد سبب مقنع يجعلني أتعلق بإنسان أناني يستأثر بالألم، ويصادر رغبتي في أن أضربه بشاكوش على دماغه حتى ينزف الأمنيات السوداء التي تحتل رأسه، من أجل أن يستريح قليلا في الضوء، قبل أن يستأنف عمله الشاق في العتمة.

هذه هي المرة الثالثة التي أتعلق فيها بهذا النوع من الكائنات، في المرة الأولى جاء على هيئة باذنجانة. لم تكن الباذنجانة المسالمة تستحق عقوبة الصقيع المقررة عليها من الشتاء، ولم تكن تستغيث من قسوة البرد، بينما الشمس الكسولة تأتي دائما متأخرة فلا تتمكن من إنقاذ شجيراتها الصغيرة التي تموت أمامي، فأحملها على كفي، وأدفنها في قبضة يدي، وفروعها الكبيرة تنسحب منها الحياة وتتيبس فيتم قطعها وتلقى في النار، لتجلب الدفء.

المرة الثانية كان على هيئة معزة خرساء، وحيدة، تعيش حياة تعيسة وسط قطيع من الأغنام، وحمار. نظرة واحدة إلى عينيها المشوشتين تكفي لمعرفة ما تمر به من حالة نفسية سيئة، في حين لم تحاول مرة أن تشكو أو تستعطف أحدا، أو تتمرد، أو حتى  تتسول الظل في لهيب أغسطس، كانت ترقد على أعواد البرسيم الساخنة وكأنها تستمتع بلحظات الشواء، تزرف الدموع وتئن في صمت، وفي الأعياد تنظر بغيرة إلى الخروف وهو ممدد تحت سكين الجزار.

يتحول الرجل أيضا إلى أضحية حين يقع بين أيادي امرأة العذراء، يستحق العطف والمواساة لما لحق به من التجربة، فما بالك لو تكرر الأمر وكلما تعافى، يذهب بقدميه إلى الفخ من جديد، إنه في تلك الحالة يشبه فأرا طيبا يبحث عن مصيدة ليشاهد السعادة في عيون قاتله، ويحتفل باحتضاره في مشهد مأساوي لا تنقصه إلا موسيقى جنائزية، وجمهور يصفق على خيباته العنقودية.

فشلت في أن أثبت لصديقي أن الطمأنينة ليست عدوا ليشهر بها في جلساته المختصرة مع الزملاء، وفي المقابل لم أخف إعجابي بإخلاصه الشديد للقلق، والدفاع عن حقه في التمسك باليأس، إنه ماهر جدا في ممارسة فن اللامبالاة، لا أحد يستطيع مجاراته، لا أحد يستطيع إنصافه.