يوميات الأخبار

بين ميزانية البيت وميزانية البلد !

هشام مبارك
هشام مبارك

فيروس كورونا اللعين الذى عصف بالثوابت ولايزال حتى كاد يفرق بين المرء وزوجه وبين الطالب ومدرسته وبين الحاج وكعبته.

الوزير الصحفى
- ليتك تشاركنا فى مناقشة ميزانية مصر قبل إقرارها.
هكذا حدثنى الدكتور محمد معيط وزير المالية عندما التقيته على هامش أحد المؤتمرات مؤخرا، فنظرت خلفى معتقدا أنه ربما يقصد أحداً آخر، لكنه قال لى بإصرار:
- أيوه انت يا أستاذ هشام !
- ولكن سيادتك أنا آخرى أناقش ميزانية البيت مع المدام والعيال!
فضحك الوزير قائلا:
الموضوع مش حايفرق كتير، منتظرك! ولكن اعمل حسابك سأكون أنا وزملائى فى وزارة المالية هذه المرة الصحفيين وستكون أنت وزملاؤك الصحفيون من يتحدثون ونحن نكتب وراءكم!
حسناً يادكتور معيط ولكن انتبه فقد عملت فى الصحافة خمسة وثلاثين عاما حتى الآن لم أتلق والحمدلله ولا حتى تكذيباً واحدًا.
لا تقلق سنكتب وراءكم بدقة ولن تضطر لأن تبعث لنا بأى تكذيب.
وهكذا فى غمضة عين وجدت نفسى مدعوا لمناقشة موازنة بالتريليونات مع أنى والحمدلله لم أناقش فى حياتى موازنة أكثر من ثلاثة أصفار وربما أربعة فى بعض الاستثناءات النادرة وهو ما أكد لى أن 2020 لن تكون عاما للكورونا فقط كما كنت أتخيل منذ أيام، بل يبدو أنه سيكون العام الذى تتحقق فيه كثير من الأحلام التى كانت حتى 2019 شبه مستحيلة. فمنذ أسابيع مضت كتبت عن نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى وقلت إننى وبعد 35 سنة صحافة أخيرا وجدت مسئولة تقول الحق ولا تجعل الناس تعيش فى أوهام صعب تحقيقها. ومنذ يومين حدثت معجزة اخرى شهدتها بنفسى عندما تلقيت دعوة من الدكتور محمد معيط وزير المالية لحضور حلقة نقاشية فى مكتبه مع مجموعة من أبرز الكتاب والمفكرين والإعلاميين ضمن حلقات الحوار المجتمعى حول مشروع الموازنة الجديدة للدولة. الجديد فى هذا اللقاء أن الوزير وكبار معاونيه أحمد كوجك نائبه للسياسات المالية ود.ايهاب أبو عيش نائبه للخزانة تحولوا إلى صحفيين يكتبون وراءنا ما نقول فى تبادل صريح للأدوار حيث كان هدف اللقاء المعلن معرفة آراء الكتاب والمفكرين فى الموازنة قبل اقرارها. أعرف أن الصحافة هواية قديمة للدكتور معيط وربما عمل بها فى بداية حياته العملية،ولعله يحمد ربنا الآن على تغيير مساره بعد أن وصلت الصحافة الورقية لحال لا يحبه لها أهلها من تردى الأوضاع الاقتصادية لقطاع كبير من العاملين بها ناهيك عن تراجع المضمون وانصراف كثير من القراء عنها.المهم أنه جاءت الفرصة لأن أرى الوزير صحفيا يمسك بالورقة والقلم ليكتب بينما تحول الصحفى الذى قضى عمره كله فى دهاليز الوزارات يبحث عن المعلومة والخبر هو الخبير الذى يتكلم والوزير يكتب من ورائه.
ما بين الانتهاء من إعداد الموازنة منذ شهرين وحتى الآن حدث متغير مهم فى العالم كله،وأعنى بذلك فيروس كورونا اللعين الذى عصف بالثوابت ولايزال حتى كاد يفرق بين المرء وزوجه وبين الطالب ومدرسته وبين الحاج وكعبته،لذا كان د.معيط واقعيا عندما قال إن الأرقام التى وردت بالموازنة كلها عرضة لأن تتغير لو استمر الحال على ماهو عليه أو تطور للأسوأ.
وبعيداً عن الأرقام التى وردت فى الموازنة رصدت بعض الهوامش على دفتر هذا اللقاء لعل أولها أنه جاء متأخرا جدا من حيث موقعه الزمنى من إعداد الموازنة،ولعلى لا ابالغ إذا قلت إنه جاء بعد فوات الأوان حيث إن الموازنة جاهزة للإقرار خلال أيام ولا أعتقد أن هناك فرصة لإجراء أى تعديلات عليها.وكان من الأفضل ان تكون حلقات الحوار المجتمعى أثناء فترة الإعداد حتى يمكن أن يستفيد مدراء الميزانية من الآراء التى تطرح فى هذه اللقاءات وقد تكون مفيدة فعلا فى كثير من الجوانب.أما ثانى تلك الملاحظات هى أن اللقاء خرج فى كثير من جوانبه عن مناقشة بنود الموازنة وهل راعت فقه الأولويات من عدمه إلى مناقشة كل مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الرياضية فلم يتحقق الهدف الرئيس منه بأن يقول الكتاب ملاحظاتهم على الموازنة نفسها لعل يكون هناك وقت للأخذ بها إن لم يكن فى الموازنة نفسها ففيما يتبعها من قرارات تصدر عن وزارة المالية وتؤثر على جيب كل مواطن.وثالثا لم يتمكن الزملاء خاصة من كبار الكتاب ورؤساء التحرير ومجالس الإدارة الذين حضروا اللقاء من كبح جماح شهوتهم فى توجيه الأسئلة الصحفية للدكتور معيط ليعيدوه رغما عنه إلى منصبه الوزارى وليعودوا هم طواعية إلى صفوف الصحفيين رغم أن الرجل قال بكل وضوح إنه يريد أن يسمع لا أن يتكلم.لكن وبحكم العادة تحول غالبية من تكلموا إلى صحفيين يبحثون عن مانشيت ونسوا أن الرجل وجه لنا الدعوة كمفكرين يريد أن يستفيد منهم هو وفريق عمله من المسئولين عن وضع الموازنة.ولى كذلك ملاحظة شكلية وإن كانت أثرت من وجهة نظرى على سير اللقاء،حيث تم ترتيب الحضور من واقع وظائفهم فاحتل رؤساء مجالس الإدارة والتحرير الأولوية فى الجلسة،ثم بقية الزملاء من الكتاب والصحفيين والمحررين.وكان من الطبيعى أن يعطى الوزير الكلمة بنفس الترتيب فحصلوا على فرصة وافية فى الحديث،وكان من الطبيعى أيضا بعد أكثر من ثلاث ساعات أن تفصل بطارية الشحن لدى الجميع بما فيهم الوزير فتم انهاء اللقاء دون أن يحصل بقية الحضور على فرصة للتعبير عن آرائهم فى الموازنة فكان حضورهم شرفيا لا أكثر.
المفاجأة التى جاءت غير سارة من وجهة نظرى فى الموازنة أنه رغم كل ما قيل ويقال عن أنه لا امل فى اصلاح كل مشاكل مصر إلا بالتوسع فى الاهتمام بقضايا التعليم والصحة والبحث العلمى إلا أن الموازنة لم تشمل فى هذه العناصر الثلاث إلا زيادة طفيفة عن الموازنة السابقة.وقد دار نقاش كبير حول هذه النقطة خاصة أن الدستور ينص على تخصيص ما لايقل عن عشرة بالمائة من الموازنة للتعليم والصحة والبحث العلمى،وبعيدا عن دستورية أو عدم دستورية الموازنة هل يرى الدكتور معيط أن الزيادة التى حدثت فى موازنة الصحة والتعليم والبحث العلمى مرضية أم أنها مخيبة للآمال؟. شيء آخر لفت نظرى فى كلام الوزير عن شهادة بعض المؤسسات المالية للاقتصاد المصري.وأتمنى ألا نعول كثيرا على هذه الشهادات.اذكر منذ سنوات طويلة مضت كنت وعدد من الزملاء المحررين والكتاب الاقتصاديين المصريين فى جلسة بمقر صندوق النقد الدولى بواشنطن مع المسئول عن ملف مصر وكان الرجل يتحدث وكأنه مسئول مصرى حيث لا يرى أية سلبيات.طبعا كان الموقف غريبا فلما ضيقنا عليه الخناق قال إن بعض الوزراء فى مصر يغضبهم الكلام الصريح مع الصحافة وإنهم طلبوا عدم شرح الوضع الحقيقى إلا للمسئولين فى الحكومة.لذا ورغم ايمانى بما حققه الاقتصاد المصرى من نمو وتطور إلا ان الحكم على النجاح لا يكون حقيقيا إلا من خلال رجل الشارع والتطور الملموس فى كل نواحى حياته.مع يقينى أن حكومة مصر هذه الأيام أصبحت تدرك اهمية المكاشفة بجميع الحقائق حتى تستفيد من الناس فى وقوفهم معها فى الأزمات بعيداً عن أى تصريحات وهمية لا تغنى ولا تسمن من جوع.وأخيرا كنت أرجو أن يتسع الوقت لأسأل الوزير عما تضمنته موازنات بعض الوزارات من مكافآت وحوافز ضخمة للعاملين فى مكتب الوزراء بما فيهم مكتب وزير المالية نفسه حيث حصل خمسمائة موظف على مائة وأربعة وعشرين مليون جنيه حوافز ومكافآت.كما كنت أود أن أعرف من الوزير ما مصير العلاوات الخمس لأصحاب المعاشات والتى لم يحصلوا عليها حتى الآن؟!
الوزير الحليوة!
خلال زيارة مؤخرة لفرنسا قبيل انتشار وباء كورونا تابعت مع الرأى العام الفرنسى إحدى القضايا المهمة بطلها وزير فى الحكومة الفرنسية.كانت الحكومة قد أصدرت قانوناً يلزم أى مسئول بالكشف عن أى حسابات بنكية له سواء داخل فرنسا أو خارجها.وقد التزم الجميع بالقرار الذى يستهدف تحقيق الشفافية التامة.واحد من هؤلاء الوزراء يبدو أنه»معجبانى حبتين» حيث كان يذهب فى بعض الأحيان سراً إلى سويسرا ليجرى بعض عمليات التجميل،فاحتفظ بحساب له فى احد بنوك سويسرا لم يفصح عنه.ولكن لأنه لا شيء فى عالمنا المعاصر يمكن أن يتم فى الخفاء طويلا انكشف المستور وعرفت الصحافة بأمر ذلك الحساب وتم تقديم الوزير للمحاكمة بعد عزله من الوزارة طبعا.لاحظ أن الرجل لم يسرق ولا حتى يورو واحدا من فلوس الشعب الفرنسى وفلوسه التى فى الحساب بسويسرا فلوس حلال حلال،ولكن جريمته العظمى أنه لم يفصح عنها ولم يلتزم بالقانون.المهم أن الحكم صدر ضده بالحبس خمس سنوات.فى المحكمة بكى الوزير أمام القاضى وقال له ما معناه إنه مستعد لأى عقوبة إلا الحبس، وهنا جاءت المفاجأة عندما سأله القاضي:ألك أم على قيد الحياة؟ فقال الوزير:نعم:فسأله القاضى هل تعيش فى باريس؟فقال:لا هى تعيش فى الريف.فقال القاضي:إذن خففنا عنك الحكم من خمس إلى ثلاث سنوات بشرط أن تقضى تلك السنوات الثلاث تحت أقدام امك فى الريف تخدمها بنفسك ولا توكل خدمتها لأحد ولا تطأ بقدمك خارج البلاد ولا تفكر فى زيارة باريس ولو مرة واحدة طوال مدة الحكم.ففرح الوزير ومسح دموعه وأسرع إلى امه لتنفيذ الحكم.
لا تعليق عندى على الواقعة غير أن لدى سؤالا:ترى لو طبقنا هذه القاعدة على الفاسدين من كبار المسئولين هل سيجدى معهم نفعاً أن يقبعوا تحت أقدام امهاتهم؟وهل سينفذون العقوبة أصلا أم انهم سيتحايلون عليها بالتزويغ المستمر؟
سراديب الدهشة
تلقيت فرحاً كتاب الزميل والصديق عبد الهادى عباس (سراديب الدهشة) وهو عبارة عن قراءات فى الشعر والنثر صاغها المؤلف بأسلوب أدبى رصين ولعل أفضل وصف للكتاب هو ما كتبه المؤلف نفسه عندما قال: بحوث ودراسات عجلى،آراء أولية فى الشعر والنثر، أشتات مجتمعات كتبتها ابان دراستى فى دار العلوم - نضر الله ايامها وسقاها هاطل الديم- إذ كان القلب أخضر ،املود الشباب انضر،ربما يكون قد تغير بعضها الآن بعدما امتاح العقل من بئر الحياة ما يسد به ظمأه المعرفى، وربما لاتزال هناك آراء تقبض على براءتها الأولى، تحول دون أن تنسرب إلى تعقيدات النقد الحديث وطرقه الوعرة..تلك هى سراديب الدهشة.. دهشتى الأولى فى عالم الكلمة.يضم الكتاب قراءات شتى فى شعر العقاد وما أدراك ما العقاد وأبو همام،وأدونيس، كما يحوى دراسات فى الموشحات الأندلسية البدايات التاريخية والتشكيلات الفنية وكذلك بحوث فى النثر الأدبي: قراءة نقدية لرواية قنديل ام هاشم ليحيى حقي، وملامح الاسطورة فى المسرح المصري.
شكرا عبد الهادى عباس على نشر هذا المؤلف القيم ويقينى أنه سيكون إضافة كبيرة وثرية للمكتبة العربية خاصة فى مجال ربما أصبح مهجورا بسبب تردى الذوق العام فى جميع المجالات ومنها مع الأسف فى الأدب بشكل عام والشعر والنثر بشكل خاص.
الخلاصة
سئل حكيم:لماذا لا تخوض أية انتخابات فقال:لأنى أعرف أن كثيرا من الناس لا يعجبهم شخصى وإن كانوا يتظاهرون بغير ذلك،وأنا أصدق مشاعرهم الظاهرية المزيفة التى يلقوننى بها، فلماذا أجبرهم أنا وبكل حماقة أن يصارحونى برأيهم الحقيقى فى صندوق الاقتراع؟