يوميات الاخبار

نداء إبراهيم.. وأمر إلهى

أسامة عجاج
أسامة عجاج

 مع شهر ذى الحجة كل عام نعيش جميعًا أجواء فريضة الحج وروحانياته، منا من أكرمه الله حيث يذهب لأداء الفريضة، ومنا من يتمنى أن يكررها مرات ومرات.
 

سمات خاصة وأجواء مختلفة، تترافق مع فريضة الحج، التى تميزها عن بقية الأركان الخمس التى بنى عليها الإسلام، حيث تستشعر بأنك مدفوع دفعًا إليها، فأحيانًا تجد أن كل السبل والطرق متاحة وسلسة لأدائها، أو تجد أن هناك عقبات وصعابًا تواجهك، ولكنها بفضل الله وقدرته يتم إزالتها، وتذليلها، فأنت مدعو من رب العباد للزيارة والسلام على الرسول الكريم، ارجع بالذاكرة لتجربتك الخاصة، أو استمع لتجارب من حولك من الأهل والأصدقاء والأقارب، تكتشف ذلك.

كما ولدته أمه

بداية اقترابى الأول من أجواء الحج، عندما كنت فى بداية المرحلة الإعدادية، حيث شهدت تجربة أبى رحمة الله عليه، والذى عاش محتسبا شاكرا لله ولسنوات طويلة، يعانى مرضا شديدا، وسعى إلى أداء فريضة الحج عدة مرات دون جدوي، حتى أصابه اليأس، وجاء الوعد والدعوة الربانية باتصال من أحد التجار الكبار فى القاهرة، وكان يتعامل معه، ويعرف برغبته، ليطلب منه جواز سفره وتكاليف الرحلة، على أن يقوم هو بباقى الإجراءات، وهو ما حدث بالفعل، مرت علينا أيام حجه ثقيلة فى انتظار عودته، فلم نعتد على غيابه، وكان وصوله عيدا حقيقيا لنا جميعا، مع حكايته لتفاصيل ما قام به من مناسك، وكيف كان الله سبحانه وتعالى رحيما به، وأمكنه من أداء الفريضة بصورة أسعدته، وكأنه معافى من كل الأمراض، كانت العودة يوم الأربعاء، ولم يتمكن من النزول لأداء الصلاة فى المسجد القريب من منزلنا كما اعتاد إلا صلاة الجمعة، وفى صباح السبت فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، لينطبق عليه حديث رسول الله (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).

الرحلة الأولى

تأثرت كثيرا برحلة حج والدي، والتى ظلت عالقة بذاكرتى حتى جاءت تجاربى العديدة لأداء الفريضة، فلكل منها ذكرياتها، تفاصيلها الصغيرة وبعضها يستحق التوقف، الأولى فى صيف عام ١٩٩٦، حيث سيطر على شعور طاغ منذ شهر رمضان، بالرغبة فى الحج وسط أجواء روحية، سماع القرآن وتدبر آياته، كثرة الصلاة والدعاء وخاصة فى جوف الليل، لم يكن لدى ما يكفى لتغطية مصاريف الرحلة، وجاء فرج الله أثناء مشاركتى احتفالا خاصا بإحدى المناسبات السعودية، بالتنسيق مع الصديق المرحوم أمين محمد أمين مسئول الشئون العربية بالأهرام، والمستشار الإعلامى السعودى محمود كيكي، هو أحد المحبين لمصر، الذى رتب لى المشاركة مدعوا ضمن الوفود الإعلامية التى تقوم بالتغطية الصحفية لموسم الحج، وتأدية الفريضة، بعد أن طلب منى إرسال نسخة من كتابى الأول (الوجه الآخر للسلام)، وكان قد صدر منذ أسابيع قليلة، هدية للسفير، إبراهيم السعد الإبراهيمي، بعدها بأيام، أبلغنى بالموافقة، وكان معى الزميل هشام الزينى من الأهرام، والأستاذ محمد عويضه الذى تولى رئاسة إذاعة القرآن الكريم بعد ذلك، للمشاركة فى البث المشترك بين مذيعى الدول الإسلامية للموسم، أما الزميل الرابع، فكان من صحيفة الجمهورية من قسم المعلومات، لا أتذكر اسمه، وحكى أغرب قصة عن ظروف وجوده، حيث وصلت دعوة السفارة، إلى الأستاذ سمير رجب، وكان رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير، فاحتار فى الاختيار، وهداه تفكيره، إلى أنها ستكون من نصيب أول الداخلين لمكتبه، فكانت من نصيبه، (دون حول منه ولا قوة)، يومها سعيت إلى الحصول على فتوى من أكثر من شيخ، حول موقفى حجى بهذه الطريقة، فكان الرد لا حرج، فالقاعدة (من استطاع إليه سبيلا) وهذا هو السبيل، وعاهدت الله يومها أن أحج مرة ثانية على نفقتى الخاصة، وهو ما حدث مع زوجتى بعدها بعامين فقط.

حلاوة المعاناة

كما يقول الصوفية، (من ذاق عرف، ومن عرف اغترف)، فلم أجد وسيلة للحج خلال الثلاثين عام الماضية إلا اغتنمتها، وهى بفضل الله وكرمه عديدة، فقد جربت حج الداخل فى عام ٢٠٠٥، ومعى أسرتى زوجتى وابنى وبنتي، وكنت مقيما فى الرياض، بعد أن تمكنت من عمل اقامة لهم فى فترة ما قبل الحج، باستثناء خاص، ساعدنى فيه الدكتور عبدالعزير الصقر، وكان هو المستشار الاعلامى الجديد، ويعمل حاليا سفيرا للمملكة فى تونس، وهو أحد الذين وقعوا فى عشق مصر، ويتمنى العودة إليها، ولأنه ممنوع إصدار إقامات فى ذلك التوقيت، فخرجت تأشيرة ابني، مختومة على جواز سفره بختم، (لا يسمح له بالحج)، وتملكتنى وساويس الشيطان، طوال رحلة الأتوبيس من الرياض إلى مني، والتى استغرقت اثنتى عشرة ساعة كاملة، ومع اقترابنا من نقطة التفتيش الأخير، زادت مخاوفي، ماذا سنفعل إذا تم إرجاع ابني، كثفت الدعاء، زادت ضربات قلبى وتصاعدت مخاوفي، عندما صعد رجل الشرطة الأتوبيس، وأنا اجهز ردى عليه، وكيف أقنعه باستثناء ابني، وكان فضل الله علينا عظيما، عندما صاح فى مشرف الرحلة، كم عدد الحجاج فى الحافلة، فأجابه، فأعاد له جوازات السفر دون تدقيقها، أو مراجعة تصاريح الحج للركاب، شكرت الله كثيرا على كل نعمه وفضله، وفى اليوم الثانى من أيام التشريق، شهدت منى أمطارا غزيرة غير مسبوقة، وكان مخيمنا فى نهاية منطقة مرتفعة، الأمطار كالسيول، أجلنا رمى الجمرات، واستأذننى ابنى ليساعد الحجاج فى مواجهة تلك الظروف الجوية، وسمحت له سعيدا بذلك، وتأخر عن العودة والأمطار لم تتوقف، فتملكنى الشيطان من جديد، ومع كل دقيقة تزداد مخاوفي، وأنا أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، مرت الدقائق ثقيلة طويلة، مع استمرار سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة، فكرت أن أخرج للبحث عنه فلم أستطع، وأخيرا عاد، وهو فى حالة سعادة شديدة، وإجهاد واضح، وحكى عما قام به فى مساعداته للحجاج، فحمدت الله كثيرا على عودته، وشكرت الله على أن من على بنعمة الابن الذى سعى طوعا إلى فعل الخيرات، فى هذه الأيام المباركة.

فضل عظيم

اختصنى الله سبحانه وتعالي، أن أكون وسيلة وأداة ربانية، على مدى سنوات تتجاوز ربع قرن، لتوفير عشرات التأشيرات المجاملة، التى دأبت على إصدارها السفارة السعودية، للجهات الرسمية ومنها الصحف القومية، وكانت العادة أن يعتمد السفير على محررى الشئون العربية فى كل إصدار، فى توفير أسماء العاملين فى دار الأخبار، وفى مقدمتهم المغفور له بإذن الله الاستاذ بدر أدهم، عندما كان مسئولا عن الملف العربى فى الأخبار، وله فضل كبير ودور مهم جزاه الله عنه كل خير وجعله فى ميزان حسناته، فى هذا المضمار وكنت مسئولا عن ذلك فى مجلة آخر ساعة، قبل انتقالى عام ٢٠٠٦ إلى صحيفة الأخبار، لأساهم فى نفس التوجه.

وأتوقف عندما حدث فى موسم حج عام ٢٠١٢ ، بعد وفاة الأستاذ بدر أدهم، ويومها كان فضل الله على كبيرا، عندما تمكنت بعلاقاتى مع السفير الأهم للسعودية فى القاهرة أحمد قطان، وهو أحد المحبين لمصر بعد أن تلقى جزءا من تعليمه فى القاهرة، وكانت علاقاته متشعبة، تمتد من الوسط الصحفى إلى بقية القطاعات ومنها الرياضية، حيث كان من مشجعى النادى الأهلى الكبار، ذهبت إليه مترددا، أتقدم خطوة وأتراجع أخري، ومعى كشف بـ ٧٥ تأشيرة، مع تأكيد سكرتيرته ليلى الرشيد باستحالة موافقته على كل هذا العدد، وبعد أن انتهيت من حوار صحفى معه برفقة زميلى وليد دياب، وافق على الكشف وسط ذهول الأستاذة ليلى الرشيد، وكانت فرحة ما بعدها فرحة، عمت أرجاء الأخبار، 

وأستطيع أن أرصد ذكريات تحتاج إلى كتاب، عن حالات عشتها مع أصحابها، عن ظروف أدائهم للحج فى هذا العام وما يليه.