الكتاب الأبيض

فكري عمر
فكري عمر

أعاره أمين المكتبة رواية كبيرة، يُزيّن غلافها لوحة الفنان الإسبانى «فرانثيسكو جويا»، حيث تحيط أشباح مختلفة الأشكال والأحجام سرير النائم، وقد عنون المؤلف روايته بجملة تُفسِّرها: «حين ينام العقل تستيقظ الغرائز». انتقى له أمين المكتبة طاولة بعيدة عن الجميع، عَرَض عليه أن يأتى لمطالعتها كل يوم؛ مكافأة على إخلاصه للفن والمعرفة، قائلًا بفخر: «هذا هو كنز مكتبتنا السري». 

تحمس فى البداية، راح يلهث وراء أرقام الصفحات دون أن يبصر كلمة واحدة أمامه، عالمٌ أبيضٌ غامض فى الصفحات كلها باستثناء أرقامها المتوالية.

لا كلمة، ولا معلومة، ولا حرف. الأغرب أن كاتبه، أو لا كاتبه قد حصل على رقم إيداع له، وقامت دار نشرٍ شهيرة بطبع نسخ محدودة جدًا بنفس الحماس الذى تطبع به كتبها المملوءة بالكلمات والسطور والأرقام والحقائق، ولم تخش الفضيحة فوضعت شعارها الخاص فى مكان بارز من الغلاف الجميل. 

«إنه جنون» قال لأمين المكتبة وهو يعيد إليه الكتاب محبطًا. 
فى الليل أحس بالكتاب يزحف إلى جواره. لا يعرف هل كان يحلم بذلك، أم يفكر أثناء السهاد؟ لا يتذكر إلا نظرة واحدة للصفحات المتخيلة الفارغة تمامًا، تلك النظرة المُدققة التى انطلقت على إثرها، من الكتاب الأبيض، كل وحوش البرِّية التى يعرفها، وتلك التى حلم بها، وقبل أن يحتاط لنفسه راحت تطارده بإصرار وقوة؛ لتمحوه من الوجود تمامًا.