خواطر الشعراوى.. أول بيت وضع للناس

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يقول الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية 96 من سورة آل عمران: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً» :معنى (أول)؟ إنه الابتداء، وهل كل ابتداء له انتهاء؟ لا، إن هناك أمورا لها (أول) وليس لها (آخر) ومثال ذلك العدد (واحد) وما بعده ليس له آخر، فآخر ما بعد العدد واحد هو ما يمكن الإنسان أن يحسبه عجزا فى التقديرات الدشليونية، ولكن ما بعد الدشليون هناك أعداد أخرى، وكان الإنسان قديما يقف عند الألف، ثم يقول عن المليون (ألف ألف)، وكذلك الجنة لها أول وليس لها آخر.

إذن فأول بيت وضعه الله للناس هو الكعبة. وعندما نرى كلمة (وُضع) نجدها فعلا، ونرى انه قد وُضِع للناس. وما دام هذا البيت قد وضع للناس لذلك فمن اللازم حين تأتى كلمة (ناس) أن يكون هناك (بيت) و(آدم) من الناس، ووالد كل الناس، وكان له بيت وضع له.

اقرأ أيضًا| هنيئا لضيوف الرحمن .. ابرز دروس الحج

وحين يقال: إن البيت قد تم بناؤه قبل آدم فإننا نقول: نعم، لأن آدم من الناس، والله يقول: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس» فلماذا نحرم آدم من أن يكون له بيت عند الله؟ إذن فالبيت موجود من قبل آدم.

وبعض الناس تظن أن إبراهيم عليه السلام هو الذى بنى البيت، ولأصحاب هذا الظن نقول: لنفهم القرآن معا، إن مثل هذا القول يناقض القرآن؛ لأن القرآن قد قال: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس» وذلك إيضاح أن إبراهيم كان من قبله أناس سابقون له، فكيف لا يكون للناس من قبل إبراهيم بيت؟ ولا يكون للناس من بعد إبراهيم بيت؟

إن الذين كانوا يعيشون قبل مجيء إبراهيم عليه السلام لهم الحقوق نفسها عند الله التى وضعها الله لمن بعد إبراهيم، فلابد أن الله قد جعل بيته لهم، والنص القرآنى «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس» مؤكد ذلك، وما دام قد جاء الفعل مَبْنِيَاَ للمفعول فواضعه غير الناس، ف (وُضِع) هو فعل مبنى على مالم يسم فاعله، فمن الذى وضعه؟ هل هم الملائكة؟

قد يصح ذلك وهو أن يكون الملائكة قد تلقوا الأمر من الله بمزاولة هذا البناء ولكن الحق يقول عن هذا البيت إنه: (هدى للعالمين) وهذا يعنى أن البيت هدى للملائكة؛ لأنهم عالم، وهذا يعنى أن البيت قد وضعه الله من قبل ذلك، إن أحداَ لا يقدر أن يجعل الكون على قدر العقل البشرى، إن على العقل البشرى أن يكون فى ركاب الكون، وإياك أن تجعل الكون فى ركاب عقلك. أما مسألة أن إبراهيم قد بنى الكعبة أولاً فهذا عدم فهم للنص القرآنى القائل: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ منا إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم» «البقرة: 127».

فما هو الرفع؟ إنه إيجاد البُعد الثالث وهو الارتفاع، فالطول والعرض موجودان إذن فهذا دليل على وجود البيت قبل أن يقيم إبراهيم عليه السلام ارتفاع البيت. وهكذا نستنتج أن الذى كان مطموسا هو القاعدة والارتفاع، مع وجود الطول والعرض اللذين يحددان المكان، أما البناء فهو الذى يحدد (المكين) وعندما انهدم البيت الحرام كان الناس يتجهون إلى المكان نفسه. ونحن عندما نصلى فى الدور الثالث فى الحرم، فإننا نتجه إلى الهواء الموجود من فوق الكعبة، ولو حفرنا نفقا تحت الأرض بألف متر، وأردنا أن نصلى فإننا سنتجه إلى جذر الكعبة، وهكذا نعرف أن جو الكعبة كعبة.

إذن فعمل إبراهيم عليه السلام كان فى إيجاد المكين لا المكان، ولنقرأ بالفهم الإيمانى ما حدث لإبراهيم عليه السلام. لقد أخذ إبراهيم هاجر وابنها إسماعيل، وخرج بهما ليضعهما فى هذا المكان.

(وهاجر) تعرف أن مكونات الحياة هى المياه والهواء والقوت، وهذا المكان لا توجد به حتى المياه، لذلك قالت هاجر سائلة إبراهيم عليه السلام: كيف تتركنا هنا؟ هل أنزلتنا هنا برأيك أم بتوجيه من الله؟ فقال لها إبراهيم عليه السلام: إنه توجيه من الله، لذلك قالت: (لقد اطمأننت، والله لا يضيعنا أبدا).