إنها مصر

«الربيع العربى ومارد الشر !»

كرم جبر
كرم جبر

«لم تأت الرياح كما تشتهى السفن، وتحول الربيع العربى فى بلادى إلى قتال فى الشوارع، وأقصى مطالبنا العودة إلى ما كنا فيه قبل الثورة».

العبارة السابقة كتبها أحد أشهر النشطاء الشباب فى بلد عربى شقيق، بعد أن تحولت الديمقراطية التى جاء بها الغرب، إلى ما يشبه «اقتراع الحمل على أى من الذئبين سيأكله».

صدق البعض أكاذيب البيت الأبيض ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس وهى تقول عبارتها الشهيرة «إننا نصنع فى الشرق جنة الديمقراطية، التى سوف تهب منها نسائم الحرية، على دول وشعوب المنطقة».

ساعدهم على ذلك مراكز ودراسات وأبحاث حقوق الإنسان فى الدول المستهدفة، التى رسمت خرائط سايكس بيكو دينية، وأبرزها أحد المراكز القديمة فى مصر الذى أعد مؤلفات للتقسيم الدينى فى المنطقة، فى مجلدات ضخمة، أطلق عليها «الملل والنحل والأعراق».

وكشرت أمريكا عن أنيابها وتخلت عن شعارات الصداقة والتعاون، وحركت كل كوامن الشر، وتعاملت بالعصا الغليظة والقوة الغاشمة، وكانت البداية تفكيك العراق وهدم مؤسساته، وإيقاظ «الصحوة الإسلامية» وإشعال الثأر التاريخى بين السنة والشيعة، فحدثت مذابح مروعة يندى لها جبين البشرية.

أيقظ الغرب «مارد الشر» فى بلاد الشرق، وفتشوا فى كل دولة من دول الجحيم العربى عن شيطان داخلى ينفذ «الفوضى الخلاقة»، ويشعل الحروب الدينية والصراعات العرقية، وابتدعوا نظرية «الصحوات الإسلامية».

ومعناها البحث عن جماعات دينية متطرفة تتصدر المشهد السياسى، وتفجر القلاقل والاضطرابات والصراعات، مثل الإخوان فى مصر والحوثيين فى اليمن وداعش فى سوريا والعراق والقاعدة فى ليبيا.

ولم تصبح مصر مثلهم وقاومت الفتن وتصدت للمؤامرات الكبرى، ودخلت حرباً ضارية ضد الإرهاب فى الداخل والخارج، ورغم كل ذلك لم تغفل الخيار الديمقراطى، بعد تنقيته من نيران الجحيم العربى، وبدأت نهضة اقتصادية كبرى قوامها المشروعات القومية وتحديث المرافق والخدمات.
ظلت مصر واقفة وصامدة فى وجه الجحيم الذى هب على المنطقة، وأدى إلى تفكيك دولها وتشتيت شعوبها، وتؤكد المؤشرات أن الضياع العربى قد يمتد لسنوات طويلة قادمة.

فشلت الجماعة الإرهابية فى إشعال فتنة الحرب الدينية، لأن أقباط مصر لجأوا إلى جيش مصر وشعبها ورئيسها، واستقووا بالهوية الوطنية فى مواجهة المحنة، وأكدوا أن مصر هى الدرع والحضن والحصن والأمان ورفضوا أى تدخل خارجى فى شئونهم.

وفشلت الجماعة الإرهابية فى إشعال الحرب بين المسلمين والمسلمين، وتوريط شبابنا فى المذابح الدينية فى سوريا، وفشل الأهل والعشيرة فى إعلان الحرب على المسيحيين، ورفض المصريون جميعاً مقولة «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، فمصر ليس فيها صراعات دينية ولا مذاهب متنافرة، بل مصريون يرفعون شعار «الدين لله والوطن للجميع» .