إنها مصـر

الأوطان والأديان والإخوان

كرم جبر
كرم جبر

إعادة التذكير بالأيام السوداء التى عاشتها مصر تحت سيطرة الاخوان مهم وضرورى، لتنشيط «ضعف الذاكرة» التى تتسلل تدريجياً، وأهم مظاهرها آراء وكتابات المداهنة التى بدأت تطل برأسها، ونسيان أن مصر كانت تصعد بقوة كبيرة الى الهاوية.

حاول الإخوان ان يشيدوا جدرانا من الشك بين الاديان والأوطان، وزعموا ان تحية العلم والنشيد معصية خطيئة واستبدلوها بالدفوف الصاخبة والأناشيد الدموية، وزعموا ان الحدود تستوجب إقامة الحد على من يقيمها لأن أرض المسلمين لكل المسلمين، رغم أنها خطوط تحمى الأوطان والهوية، وتحفظ السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية.

وقطعت مصر شوطا فى مقاومة الأفكار الظلامية من عقول الشباب الذين انخرطوا فى مستنقع التطرف والإرهاب، فصاروا يقتلون أبناء وطنهم، متصورين أن ذلك جهاد فى سبيل الله، بينما الضحايا هم محمد وعلى ومحمود ووليم ضباط وجنود، مسلمون ومسيحيون ويعبدون الله.

وزعموا ان الأوطان بدعة وضلالة، وأن الجهاد لن يستقيم إلا إذا قتلوا وذبحوا من يدافع عن وطنه ويرفع علمه ويغنى نشيده، وقال مرشدهم  «مصر إيه.. طظ فى مصر»، ولماذا لا يحكمها ماليزى أو سريلانكى ما دام مسلماً؟.

رسالتهم للشباب :اكرهوا بلدكم وجاهدوا ضد شعبكم، وغرسوا فى قلوبهم ان كراهية الأوطان درجة من درجات الجهاد، وأن سفك الدماء هو الطريق الوحيد لاعتلائهم مقاعد السلطة والحكم.

لم يؤمنوا بأن حب الوطن من درجات الإيمان، ومن يُقتَل دفاعاً عن أرضه وماله وعرضه فهو شهيد، أما الارهابيون فليس لهم ارض ولا وطن،قتلة مأجورون وتعبث بهم أصابع الشيطان. 

اكثر من خمسة وتسعين عاما لم تذق مصر طعم الراحة منذ نشأة جماعة الإخوان عام 1928، ولم تمر حقبة زمنية فى هدوء، دون مشاكل وإضرابات واغتيالات  لم تتوقف.

وإذا اشتدت قبضة الدولة دخلوا تحت الأرض، يطلقون عليه «كمون»، يختفون وسط الناس، وينكرون انتماءهم، ويقولون جملتهم الشهيرة «أنا مش إخوان».

وإذا ضعفت قبضة الدولة، خرجوا مرة أخرى يستعرضون قوتهم ويفرضون سطوتهم، ويخوضون حرباً بكل الأسلحة، من الدولار لتخريب الاقتصاد، حتى السلاح لإضعاف الأمن.

كان طريق الإخوان مفروشاً بالورود بعد 25 يناير، للعودة إلى المجتمع، فى محبة وهدوء وسلام، وأن يعيشوا وسط المصريين كمواطنين وليس كإخوان مسلمين، ولكنهم زرعوا الاشواك وأذاقوا البلاد كؤوس الانتقام، فكانت نهايتهم فى 30 يونيو.

استهان الإخوان بذكاء المصريين وظنوا أن مظاهر «الإسلام الشكلي» التى جاءوا بها تضمن سيطرتهم، ونصبوا شباكها حول البسطاء والطيبين، مشفوعة بأكياس الأرز والسكر وزجاجات الزيت، ولم يفهموا أن معنى الإسلام الحقيقى يتوافق مع طبيعة المصريين وتسامحهم وحضارتهم وثقافتهم، ولا يمكن أن يزايدوا عليه أو يلعبوا به.