عادل القليعي يكتب: الحج.. وعالمية الإسلام

عادل القليعي
عادل القليعي

عندما أمر الله سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، عندنا أمرهما الله ببناء الكعبة المشرفة زادها الله تشريفا وتعظيما - ورفع قواعدها ، كان ذلك الأمر بمثابة رسالة جامعة مانعة أراد الله تعالى إيصالها للبشرية ألا وهي أن إلهنا واحد وعبادتنا واحدة ووجهتنا واحدة، فإلهنا الله تعالى وعبادتنا أن نعبد الله وحده لا شريك له ولا مثيل ولا شبيه ولا ند له في عبوديته، وأن قبلتنا واحدة ووحهتنا واحدة ، وجهتنا إلى الله الذي خلق الناس جميعا.

وهذا ما جاء فى الأمر الإلهي (وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، فيصعد إبراهيم إلى سفح جبل أبي قيس وينادي ، أيها الناس ، أن الله قد بنى له بيتا وأمركم أن تحجوا إليه ، ووصل النداء وعم أركان المعمورة إنسا وجآنا على مر العصور والأزمنة ، فباتت الكعبة المباركة قبلة المشتاقين وملاذ الخائفين.

وما أن أتم الله دينه القيم لأمة محمد صل الله عليه وسلم ، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكما نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فهذا الدين الخاتم الذي ارتضاه الله لأمة محمد صل الله عليه وسلم تكريما لها ولنبيها ومذ وقتها وأصبح الحج فرضا على التيسير من الفرائض التي فرضت على هذه الأمة ، وقد قالها اليهودي لعمر بن الخطاب ، أنه توجد لديكم أية في القرآن لو نزلت علينا لاتخذنا هذا اليوم عيدا، قال ابن الخطاب اعلمها وأعلم وقت نزولها ، لقد نزلت على تبينا محمد صل الله عليه وسلم في حجة الوداع تلك الحجة الأولى والأخيرة لحضرة النبي صل الله عليه وسلم والتي أرسى فيها ركائز ومبادئ الإسلام الرئيسة وتجلت المعجزات الربانية فدون مكبرات للصوت يخطب النبي في ما يزيد على مائة ألف حاج والجميع يسمع الخطاب البشر والحجر والشجر وكل من في صعيد عرفات الله هذه واحدة ، أما الثانية توقف النبي عند رقم ثلاث وستون ناقة نحرها بيده وأعطي الحربة لسيدنا علي بن أبي طالب ليكمل ، وهذه إشارة إلى دنو أجل النبي صل الله عليه وسلم عند الثالثة والستين.

ثم يرسى قواعد ودساتير يعمل بها العالم الآن، بل ويشرعون على اصرها القوانين الوضعية الدولية.
القانون الأول: نبذ العنصرية والطبقية والعصبية، فالناس سواسية كأسنان المشط ، كل يقف جنبا إلى جنب، لا فرق بين وزير وغفير ورئيس نداءهم واحد، تلبيتهم واحدة، لباسهم واحد، مشهد مهيب يذكر بيوم المحشر، لا أحد يتكبر على أحد، لا أحد ينهر أحد أو يتعالى على أحد.

القانون الثاني: كفالة حقوق المرأة كاملة غير منقوصة ووصية الرسول صل الله عليه وسلم بها خيرا فى المعاملات ، فى كآفة شؤون الحياة، اهتمام فآق كل ما تقوم به المجالس القومية المحلية والإقليمية والدولية لحقوق المرآة فلا امتهان لكرامتها بل وأوصى بمحبتها ومساعدة زوجها لها في بيتها ولم لا والله تعالى كرمها من فوق سبع سموات في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، ذكرها الله بالمؤمنات، المتصدقات، الذاكرات ، الجزاء أعد الله لهن أجرا عظيما فى الدنيا والآخرة.

القانون الثالث: حرمة الدماء، فقد أوضح النبي في خطبته العصماء حرمة الدماء وحرمة القتل بغير ذنب، قائلا، كل المسلم على المسلم حرام، ماله ودمه وعرضه، فلا تقاتل ولا تناحر ولكن كونوا عباد الله إخوانا، لا إكراه لأحد على الدخول في الإسلام فمن أسلم فقد تحرى رشدا ومن عاهد فله العهد والأمن والأمان وله علينا حق الإخوة في الإنسانية فالله تعالى قال يا أيها الناس إنا خلفناكم من ذكرا وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.

حق الجوار، حسن العشرة لا فرق فى المعاملة بين مسلم ومسيحي ويهودي ، فديننا يحترم الجميع وهذا دستور أقره النبي صل الله عليه وسلم في حجة الوداع.

نعم الحج واجتماع الحجيج من كل بقاع الدنيا دلالة بالغة على عالمية هذا الدين القيم مهما اختلفت اللهجات ومن اختلفت الألوان ومهما اختلفت الأجناس البشرية، إلا أن دعاء واحد ونداء واحد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك.

شهدت بذلك المستشرقة آن ماري شيمل قائلة لقد آتي محمد بدين عالمي موحى ينظم كل العلاقات بين البشر.
نعم مجتمع الحج دلالة قطعية الثبوت على الأبعاد الأخلاقية من تهذيب للنفس وتربية للخلق والحث على الفضائل واهمها السمع والطاعة والتعاون، وأبعاد اجتماعية ممثلة في التكافل الإجتماعي والتعارف والإخاء فهو بمثابة انثربولوجيا اجتماعية، وأبعاد نفسية بما يحققه من أمن وراحة وطمأنينة وسعادة نفسية فضلا عن الأبعاد الدينية ممثلة في الامتثال لأمر الله تعالى حال الاستطاعة والذهاب إلى الحج.

لماذا ليشهدوا منافع ولماذا أيضا وليذكروا الله تعالى ، فالذكر يحلو والمسامع تطرب.

كاتب المقال أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.