«رجل الكاميرا».. قصة قصيرة للكاتب عبد الرحمن الراوي

الكاتب عبد الرحمن الراوي
الكاتب عبد الرحمن الراوي

يُكَدِّسُ مَشَاكِلَ الحَيَاةِ، يَتَخَفَّفُ مِنْ هُمُومِهَا، يتركها على باب القاعة ويدخل ليموضع عينه الراصدة حيث يكون الجميع داخل دائرة الرؤيا، وإلَى جَانِبَ أدَاوَتِهِ يتَأكَّدُ أنَّهَا مَعَهُ وَأنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ، وَلَابُدَّ أنْ تَكْفِيَ الجَمِيعَ،

وبِلُغَةٍ ساحرة أَبْلَغَ مِنَ المَجَازِ يَطْلُبُ مِنَ الجَمِيع أن يكون لهم نصيب منها ولو تكلفا، يصنع لها على وجوههم مَوْضِعًا، يوزعها عليهم مع هالة من النور ثُمَّ يَقْتَنِصُهَا من على الوجوه فِي لقطات ولا أَروَعَ، يَجْمَعُهَا بشخوصها لا يفرق بينهم أو ينسى أحدا منهم ، ما إن ينهي مهمته، يَحْمِلُ أدواته والابتسامات بشخوصها عَلَى ظَهْرِهِ، ورغم ما جاد به منها بسخاء إلا أنها لا تزال مرسومة على وجهه،

 فيُصَافِحُ بها الجَميعَ وَيَنْصَرِفُ، يَنَامُ الجَمِيعُ وَيَظَلُّ هو سَاهِرًا اللَّيْلَ كله، كأنه يُوَلِّفُ بَيْنَ الشَّمْعِ وَالعَسَلِ فِى هَنْدَسَةٍ بَالِغَةِ الدِّقَّةِ وَالجَمَالِ، وَلَا تقر له عين أو يُلَامِسُ جَنْبُهُ الفِرَاشَ حتى يتم عمله؛ وما إن ينتهي حتى يشرع في توزيع السَّعَادَةَ الَّتِي صَنَعَهَا بِابْتِسَامَتِهِ التي وزعها ثم وثقها أول الليل، وها هو يعيدها الآن إلى أصْحَابِهَا ابتسامة حقيقة من أعماق القلب، من فرحهم بروعة إبداعه تتملكهم الدهشة من الجمال ولسان حال كلا منهم يقول أهذا أنا ؟!!-

كنت أحد الحاضرين في القاعة وكنت داخل بؤرة عدسته عندما انتزع مني مسحة الحزن وأعارني جزء من ابتسامته ومعَ خُيُوطِ الفَجْرِ الأولى أهْدَانِيها في رسالة، مرئية ولا أروع أرسلها على هاتفي، عادت لي ابتسامة حقيقة من القلب، توقفت لحظة وتَأَمَّلَتُ المَرْئِيَّاتِ الَّتِي يصْنَعُهَا؛ فَلَمْ أَجِدْهُ في أيٍّ مِنْها، حِينَها أيْقَنْتُ أنَّ الأنْقِيَاء مثله لا يهتمون كثيرا بتوثيق صورهم لأنهم يحفظونها بقُلُوبُ الجميع.

اقرأ أيضا | وسكت راوي السيرة الهلالية عبد الرحمن الابنودى