«مناجاة» قصة قصيرة للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف

محمد عبد الحافظ ناصف
محمد عبد الحافظ ناصف

من كتاب "الموتى"

يناديني بصوته الحنون، أقطع درجات السلم لاهثاً، أقف أمامه ضئيلا ضئيلا، يبتسم ثغره،

يقول: اليوم صباح الخميس يا محمد.. هل نسيت؟!

أرد عليه بسرعة ككل خميس: لا.. لم أنس يا أبي، وأهرع كي أحضر الفرشاة والمعجون والموسى كي أحلق له لحيته وأساوي شاربه المنسدل على فمه في فوضوية، أنظر إليه، حاجباه مرتخيان على عينيه فلا يرى بصورة جيدة، أنظر للمرآة فأرى بعض الشعيرات على حاجبي منهكة فأشعر أن إشارته تسري في. يقولون: إنني أشبهه، يدندن أغنيته:

-           محلاها يا وعدي، تن تن تن.

 أضحك وأهز رأسي، ويبتسم هو، وأدندن، لكني أجدني أدندن "من غير ليه" تنقر على لساني، واسرح معها، فأعبس..

            أغسل لحيته جيداً، أجهز الموسى، أخشى من جرحه فهو مصاب بالسكر، كنت دائما أحاول إقناعه أن يعفو عن لحيته لكنه كان يرفض بالرغم من فرحه الجم لأن أخي الأكبر عفا عنها واستطالت فأصبحت أنا أحمل همها في الفجر، لا أدري لماذا أود ذلك، ويرفض هو، فكل الشيخوخ في شارعنا بلحاهم، وهو لا يترك صلاة، صدرت له أخي الأصغر وهربت أنا لكنه رفض أن يحلق له، وانتظرني، حلقت له صاغرا، لم يكن أبدا ليعطيني قبلة زائدة عنهم، أسال نفسي، لماذا يصر عليَّ أنا؟ اليوم مساء الخميس.. استجاب لندائي، استطالت لحيته فجأة حتى وصلت للأرض، كان يقرأ طالعه في وجهي، وجده.

          (آه من البنسلين طويل المدى.. أشعر بهبوط.. هبوط).