وحى القلم

درس فتيات البرشا

صالح الصالحى
صالح الصالحى

فى قرية نائية بالصعيد، اجتمعت رغبة وحلم 7 فتيات على تكوين فرقة مسرحية.. قد يبدو الأمر صعبًا..

لكن الأصعب أنهن قررن تقديم مسرحياتهن فى شوارع القرية.. الفكرة غريبة وغير مألوفة وليست معتادة.. وتخرج عن عادات الصعيد.

الأغرب أن الفرقة قررت تقديم أول عرض لها تحت عنوان "محكمة القرية"، وهو ما قوبل بالرفض وعدم الاستحسان بل وصل الأمر إلى توجيه الإهانات للفرقة والسخرية منها.

لكن ما حدث زاد أعضاء الفرقة إصرارًا، واجتمعت إرادة الفتيات على تحقيق المستحيل، صدقن حلمهن.. ووثقن فى موهبتهن، مؤمنات بأنفسهن.. فالهدف نبيل، والغاية مشروعة.. وهى التصدى للمشكلات المجتمعية فى الصعيد مثل ختان الإناث والزواج المبكر والتحرش. وانطلقت الفرقة بالفعل حتى وصلت للعالمية.. ودخلت عالم الشهرة.. وأصبحت الفتيات نجمات واشتهرت قريتهن الصغيرة.. والتى أصبحت حديث العالم.

فالمكان لم يكن عائقا، والعادات لم تثنهن عن حلمهن.

حدث ذلك فى قرية البرشا إحدى قرى مركز ملوى بمحافظة المنيا، نمت فى عقل ووجدان فتاة "يوستينا سمير" ابنة هذه القرية فكرة تأسيس فرقة مسرحية من الفتيات.. عرضت الفكرة على صديقاتها بالقرية.. وبالفعل لاقت قبولهن واستحسانهن.. وانضمت 6 فتيات لها.

بدأت الفتيات فى تنظيم ندوات توعية لأهالى القرية ثم أنشأن فرقة مسرحية لنشر الوعى فى ربوع القرية والقرى المجاورة من خلال مسرحيات تعرض للأهالى فى الشارع.. وأطلقت الفتيات على الفرقة اسم "بانوراما برشا". بالطبع واجهت الفرقة صعوبات كادت تعصف بها.. فالأمر غريب على الصعيد، وغير متقبل.. ولكن مع الإصرار والرغبة والعزيمة انتشر نشاط الفرقة..

ومع مرور الأيام أصبح الأمر مألوفًا لدى الأهالى، بل قاموا بدعم الفرقة وتشجيعها.
وبعد سنوات قررت الفرقة توثيق مسيرتها من خلال فيلم تسجيلى بعنوان "رفعت عينى للسما".

تدور أحداث الفيلم الذى تبلغ مدته ساعة و45 دقيقة حول مجموعة من الفتيات اللاتى قررن تأسيس فرقة مسرحية تقدم الفلكلور الشعبى بشوارع قريتهن.. لتسليط الضوء على القضايا المجتمعية والأسرية.. وتناول الفيلم معاناة الفرقة فى تحقيق حلم عضواتها، هذا الحلم الذى طال عنان السماء.

الفيلم شارك فى مهرجان كان السينمائى الدولى.. ونال إعجاب الحضور، ولاقى احتفاء كبيرًا وإشادات بالغة من النقاد الذين شاهدوا الفيلم.. ليفوز فى النهاية بجائزة العين الذهبية كأفضل فيلم تسجيلى ضمن مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان "كان" فى الدورة 77.

بالإصرار والعزيمة انطلقت فتيات البرشا من قريتهن إلى العالمية.. لم يستسلمن لأى ظروف.. ولم يجعلن اليأس يسيطر عليهن.. لم يجعلن أى تحدٍ يتغلب عليهن.. وثقن بأنفسهن وآمن بحلمهن.. متسلحات بالصبر والإصرار والعزيمة رافعات لافتة الأشياء العظيمة لا تأتى بسهولة.