بسمة ناجى.. رد سلمان رشدى الفنى على طعنة السكين

سلمان رشدى
سلمان رشدى

كان سلمان رشدى يقف على خشبة المسرح فى «مؤسسة تشوتوكوا» شمال ولاية نيويورك، يستعد لإلقاء محاضرة حول أهمية حماية الكُتاب من الأذى الذى يتعرضون له بسبب كتاباتهم، حين هرع رجل إلى المسرح وهاجمه بعشر طعنات فى الوجه والبطن، فى حدثٍ مروع من أعمال العنف، هز الأوساط الأدبية العالمية. 

قال رشدي، وهو يقرأ من مذكراته التى صدرت مؤخرًا وتحمل عنوان «سكين: تأملات بعد محاولة اغتيال»، أول كتاب لرشدى منذ الهجوم: «كنتُ جالسًا إلى يمين المسرح، ثم، بطرف عينى اليمنى- آخر ما رأته عينى اليمنى على الإطلاق- رأيت رجلًا بملابس سوداء وقناع وجه أسود يركض نحوى من الجانب الأيمن لمنطقة جلوس الحضور، مال نحوى كقذيفةٍ صاروخية.

اقرأ أيضًا| جورى جراهام: نكتبُ كى نتغير |حوار

أعترف أننى كثيرًا ما تخيلتُ ظهور قاتلى فى منتدى عام أو آخر، ومهاجمته لى بهذه الطريقة. لذلك كان أول ما فكرت فيه عندما رأيت هذا الشاب يندفع نحوى هو: «هذا أنت إذن. تفضل». إلا أننى شعرتُ كأن شيئًا يخرج من الماضى البعيد ويحاول إرجاعى بالزمن إلى الوراء، إلى ذلك الماضى البعيد، لقتلي».

ذكر نيهار مالافيا، المدير التنفيذى لدار بنجوين، ناشر الكتاب، فى بيانه: «سكين كتاب قاسٍ، لكنه يحمل لنا تذكيرًا بقوة الكلمات. تشرفنا بنشره، وأذهلنا إصرار سلمان على رواية قصته، والعودة إلى عمله الذى يحب».


فى كتابه «سكين»، يسترجع سلمان رشدى للمرة الأولى، بجدية، وصدق لا يتزعزع، تفاصيل لا تُنسى للأحداث المؤلمة التى وقعت فى ذلك اليوم وتداعياته، للرد على العنف بالفن، ولتذكيرنا بعمق قدرة الأدب على مساعدتنا لفهم ما لا يمكن تصوره. «سكين» عبارة عن تأملات آسرة وعميقة للحياة والخسارة والحب والأدب واستعادة القوة للنهوض من جديد، بكتابة مؤثرة عن رحلة رشدى للتعافى الجسدى والشفاء الذى تحقق بفضل حب ودعم زوجته إليزا وعائلته وجيش من الأطباء وأخصائيى العلاج الطبيعي، ومجتمع القراء فى جميع أنحاء العالم.

بعد الهجوم، التزم رشدى المستشفى لستة أسابيع. وفقد بصر إحدى عينيه والإحساس فى بعض الأصابع. ذكر رشدى فى أول مقابلة تليفزيونية له منذ الهجوم: «قال لى أحد الجراحين الذين أنقذوا حياتي: «تعرضتَ لخطرٍ مُحَقق فى البداية، ثم حالفك الحظ». سألته: «كيف حالفنى الحظ؟» فقال: «حالفك الحظ لأن الرجل الذى هاجمك لم تكن لديه أدنى فكرة عن كيفية قتل رجل بسكين».

وفى البداية، رفض رشدى فكرة الكتابة عن حادثة الطعن، كما ذكر فى مقابلة مع «مجلة نيويوركر»، «حاولتُ كتابة نصوص أخرى بعد الحادثة، لكنها كانت كلها بلا قيمة. لذلك قررت أخيرًا مواجهة الفيل الموجود فى الغرفة.» وأضاف: «كأن الهجوم ما دعانى للكتابة عن الهجوم»، لكنه تحمس للفكرة، متصورًا أنها نظيرًا لمذكراته المنشورة فى عام 2012 بعنوان «جوزيف أنطون»، وهو الاسم المستعار الذى اتخذه رشدى خلال الفترة التى قضاها متخفيًا بعد نشر كتاب «آيات شيطانية»، وإن كانت من منظور مختلف تمامًا. قال رشدي: «حين يغرس شخص ما سكينًا فى جسدك، فهذه قصة لابد أن تُروى بضمير المتكلم، ومن منظوره».

فى يونيو من العام الماضي، أعلن رشدى خلال ظهور مسجل مسبقًا عبر «تطبيق زووم» فى مهرجان هاى أنه كان يعمل على المذكرات. صرّح: «كانت فكرة تأليف هذا الكتاب مُلحة وضرورية بالنسبة لى كطريقة للتعافى من آثار الحدث». 

عاش رشدى معظم حياته تحت التهديد، وجاء الهجوم بعد أكثر من ثلاثين عامًا من فتوى أصدرها الزعيم الإيرانى آنذاك، آية الله الخميني، تدعو إلى قتل رشدى فى أعقاب نشر روايته «آيات شيطانية»، التى اعتُبرت تجديفًا.

كتب رشدى 15 رواية والعديد من الأعمال غير الروائية، ونُشرت رواية رشدى الأخيرة، «مدينة النصر»، فى فبراير 2023، رغم أنه أنهى كتابتها قبل الهجوم. ترشح لجائزة البوكر خمس مرات، وفاز بها عام 1981 عن رواية «أطفال منتصف الليل». كما فاز الكتاب بجائزة بوكر أوف بوكرز عام 1994 وأفضل كتاب حائز على جائزة بوكر فى عام 2008، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين والذكرى الأربعين للجائزة.