خواطر الإمام الشعراوي ..التنشئة السوية للأطفال

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 221 من سورة البقرة: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ».

بقوله: وعلينا أن نفهم أن الحق سبحانه وتعالى رخص للمؤمنين فى أن ينكحوا أهل الكتاب بقوله الحق: «اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذى أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الآخرة مِنَ الخاسرين» «المائدة: 5».

وقد وقف العلماء من مسألة ترخيص الحق للمؤمنين فى أن يتزوجوا من أهل الكتاب موقفين: الموقف الأول: هو موقف مانع؛ لأن بعض العلماء رأى أن أهل الكتاب قد ينحرفون فى معتقداتهم إلى ما يجعلهم فى الشرك، وقالوا: وهل هناك شرك أكثر من أن تُدعى الربوبية لبشر؟ والموقف الثاني: أجاز بعض العلماء أن يتزوج الإنسان من كتابية ويجب عليه أن يسألها أهى تدين بألوهية أحد من البشر أم تدين بالله الواحد القهار؟ فإن كانت المسألة مجرد الخلاف فى الرسول فالأمر يهون، أما إن كانت تؤمن بألوهية أحد من البشر بجانب الله فقد دخلت فى الشرك وعلى المؤمن أن يحتاط.

وإذا كان للرجل الولاية وله أن يتزوج بكتابية فهو غالبًا ما ينقلها إلى بيئته هو وستكون البيئة المؤثرة واحدة، ووجود الولاية للأب مع الوجود فى البيئة الإيمانية سيؤثر ويخفف من تأثير الأم الكتابية على أولادها، وإن كان على الإنسان أن يتيقظ إلى أن هناك مسالك تتطفل وتتسلل ناحية الشرك، فمن الخير أن يبتعد المسلم عن ذلك، وأن يتزوج ويعصم ويعفّ فتاة مسلمة.

وحين يحمى الحق سبحانه وتعالى الحضانة الأولى للطفل فهو يريد أن يربى فى الطفل عدم التوزع، وعدم التمزق، وعدم التنافر بين ملكاته. وحين نضمن للطفل التواجد والنشأة فى بيئة متآلفة فهو ينشأ طفلا سويًا. والإسلام يريد أن يحافظ على سويَّة هذا الطفل. ويقول بعض الناس: ولماذا لا نوجد محاضن جماعية؟ وكأنهم بذلك يريدون أن يحلوا الإشكال.

نقول لهم: إن الإشكال لم يحل عند الذين فعلوا ذلك من قبلنا، ولذلك فعندما نقرأ مؤلفاتهم مثل كتاب (أطفال بلا أسر) فسنجد أن الطفولة عندهم معذبة. ولماذا نذهب بعيدًا؟ إننا عندما نتتبع كيفية النشأة الجماعية للأطفال فى إسرائيل فالبحوث العلمية تؤكد على أن الأطفال يعيشون فى بؤس رهيب لدرجة أن التبول اللاإرادى ينتشر بينهم حتى سن الشباب.

وكيف يغيب عن بالنا أن الطفل يظل حتى تصل سنه إلى عامين أو أكثر وهو يطلب ألا يشاركه فى أمه أحد، حتى وإن كان أخًا له فهو يغار منه فما بالك بأطفال متعددين تقوم امرأة ليست أمهم برعايتهم؟ ولا يغنى عن حنان الأم حنان مائة مربية؛ فليس للمربيات جميعًا قلب الأم التى ولدت الطفل، فالحنانُ الذى تعطيه الأم ليس حنانًا شكليًا ولا وظيفيًا، ولكنه طبيعة حياة خلقها الله لتعطى العطاء الصحيح، لذلك لا بد من إعطاء الطفل فترة يشعر فيها بأن أمه التى ولدته له وحده، ولا يشاركه فيها أحد حتى لو كان أخا له، وتمر عليه فترة بعد أن يخرج من مهد الطفولة الأولى إلى الشارع ليجد حركة الحياة، ويجد القائمين على حركة الحياة هم الرجال وآباء أمثاله من الأطفال فيجب بعد ذلك أن ينسب إلى أب له كيان معروف فى المجتمع الخارجي.

فمن مقومات تكوين الطفل أن يشعر أن له أمًّا لا يشاركه فيها أحد، وأن له أبًا لا يشاركه فيه أحد. وإن شاركه فيهما أحد فهم إخوته ويضمهم ويشملهم جميعا حنان الأم ورعاية الأب. لقد اعترف أهل العلم بتربية الأطفال أن احتياج الطفل لأمه هو احتياج مهم وأساسى للتربية لمدة عامين وبضعة من الشهور، والحق تبارك وتعالى حين أنزل على رسوله قبل أربعة عشر قرنًا من الآن؛ القول الحكيم الصادق بين هذه الحقيقة واضحة فى أجلى صورها: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أوزعنى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذريتى إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ المسلمين» «الأحقاف: 15».

إن الأم هى الحاضنة الطبيعية للطفل كما أرادها الحق. إذن، فالحق يريد أن يحمى اللبنة الأولى فى تكوين المجتمع وهى الأسرة فى البناء العَقَدى من أن تتأثر بالشرك، ويريد أن يحفظ للأسرة كيانًا سليمًا.