خواطر الإمام الشعراوي | الإحسان فى كل شىء

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 195 من سورة البقرة: «وَأَنْفِقُوا فى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» بقوله: الإحسان فى كل شيء هو إتقانه إتقانًا بحيث يصنع الإنسان لغيره ما يحب أن يصنعه غيره له، ولو تعامل الناس على هذا الأساس لامتازت كل الصناعات، لكن إذا ساد الغش فأنت تغش غيرك، وغيرك يغشك، وبعد ذلك كلنا نجأر بالشكوى، وعلينا إذن أن نحسن فى كل شيء: مثلاً نحسن فى الإنفاق، ولن نحسن فى الإنفاق إلا إذا أحسنا فى الكدح الذى يأتى بثمرة ما ننفق؛ لأن الكدح ثمرته مال، ولا إنفاق إلا بمالٍ، فتخرج من عائد كدحك لتصرفه فى المناسب من الأمور.

ودائرة الإحسان لا تقتصر على القتال فقط، فالأمر هنا عام، ولا تعتقد أنه أمر فى زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم جزئية من جزئيات الحياة، إنما كل زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم كل جزئيات الحياة، فالإحسان إذا كان بالمال فهذا يقتضى أن يحسن الإنسان الحركة فى الأرض، ويعمل عملاً يكفيه ويكفى من يعول، ثم يفيض لديه ما يحسن به. إذا لم يتوافر المال، فعليك أن تُحسن بجاهك وتشفع لغيرك، والجاه قد قومه الإسلام أى جعل له قيمة، فعلى صاحب الجاه أن يشفع بجاهه ليساعد أصحاب الحقوق فى الحصول على حقوقهم، وعلى الوجيه أيضاً أن يأخذ الضعيف فى جواره ويحميه من عسف وظلم القوي، وعليه بجاهه أن يقيم العدل فى البيئة التى يعيش فيها. والوجاهة تعنى أن يكون للإنسان احترام أو وزن أو تقدير، وهذه الأشياء لها مسبقات فى إحسان الشخص، لا يأخذها بلا سبب، إنما سبقها عمل جعل له وجاهة عند الناس.

اقرأ أيضاً | الإسلام يضمن الحرية الحكيمة ويصونها

فالناس فى العادة لا يحترمون إلا من يكون له لون من الفضل عليهم، فكأنه احترام مدفوع الثمن، وليس احتراماً مجانيّاً. وقد يكون الإحسان بالعلم. أو بفضل القوة، بإعانة الضعيف. أو بإكساب الخبرة للآخرين. أو بتفريج كربةٍ عن مسلم.

إذن وجوه الإحسان فى الأشياء كثيرة، وكلها تخدم قضية الإيمان. وعندما يرى الكافر المؤمنين وكل واحدٍ منهم يحسن عمله فإن ذلك يغريه بالإيمان. وإذا سألنا: ما الذى زهد دنيانا المعاصرة فى ديننا؟
فسوف نجد أن العالم ينظر إلى دين الله من خلال حركة المسلمين، وهى حركة غير إسلامية فى غالبيتها. صحيح أن بعضاً من عقلاء الغرب وفلاسفته لا يأخذون الدين من حركة المسلمين، وهذا منتهى العدالة منهم لأنه ربما كان بعض المسلمين غير ملتزمين بدينهم ، فلا يأخذ أحد الإسلام منه لمجرد أنه مسلم. وأتباع الديانات الأخرى يعرفون أن هناك أفعالاً جرمها دينهم. وما دام هناك أفعال جرمها الدين وسن لها عقوبة فذلك دليل على أنها قد تقعُ، فأنت عندما ترى شخصاً ينتسب إلى الإسلام ويسرق، هل تقول: إن المسلمين لصوص. لا، إن عليك أن تنظر إلى تشريعات الإسلام هل جرمت السارق أو لم تجرمه؟ فلا يقولن أحد: انظر إلى حال المسلمين، ولكن لننظر إلى قوانين الإسلام، لأن الله قدر على البشر أن يقوموا بالأفعال حسنها و سيئها، ولذلك أثاب على العمل الصالح وعاقب على العمل السيئ. والعقلاء والمفكرون يأخذون الدين من مبادئ الدين نفسه، ولا يأخذونه من سلوك الناس، فقد يجوز أن تقع عين المراقب على مُخالف فى مسألة.

يحرمها الدين. فلا تأخذ الفعل الخاطئ على أنه الإسلام، وإنما خذه على أنه خارج على الإسلام. وساعة يرانا العالم محسنين فى كل شيء فنحن نعطيهم الأسوة التى كان عليها أجدادنا، وجعلت الإسلام يمتد ذلك المد الخرافى الأسطورى حتى وصل فى نصف القرن إلى آخر الدنيا فى الشرق، وإلى آخرها فى الغرب، وبعد ذلك ينحسر سياسياً عن الأرض، ولكن يظل كدينٍ، وبقى من الإسلام هذا النظام الذى يجذب له الناس. إن الإسلام له مناعة فى خميرته الذاتية إنه يحمل مقومات بقائه وصلاحيته، وهو الذى يجذب غير المسلمين له فيؤمنون به، وليس المسلمون هم الذين يجذبون الناس للإسلام.