مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر: المؤمن المتفائل لايعرف اليأس والله مدبر الأمر

د. أحمد شبل
د. أحمد شبل

عادة ما تتقلب حياة الإنسان بين عسر ويسر، وضيق وسعة، وحزن وفرح، يواجه هذا الإنسان فى حياته كثيرًامن الصعوبات، وشتى المنغصات، وصنوف الابتلاءات، وما عليه إلا أن يتحملذلك بنفس راضية، وهمة عالية، متمسكا بالأمل، ولا يعرف سبيلا للفشل، وكيف له أن يتحمل، وأن يواجه، وأن يستمر فى السعى دون توقف بغير إيمان قوى يعمر قلبه ويزين نفسه!

يقول د. أحمد شبل، مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر بالقاهرة، إن هذا الإيمان الذى يتمكن من القلب فتحلو به الحياة، وتطمئن به النفس، ويهدأ به الروع، ويزول به القلق، ويفتح الله به ما انغلق، فكيف يخاف من الخلق من علم أن الأمر كله لله، وأن النفع والضر لا يملكه فى الحقيقة سوى الله، وأن أقصى ما يستطيعه البشر تنفيذ ما أراده الله؟ وكيف ييأس المتفائل الطامح إذا علم أن الذى يدبر الأمر هو الله،وأن من طلب من الله أعطاه، ومن توكل عليه كفاه؟وكيف يقلق على مستقبله من علم أن الرزاق هو الله، وأن الرزق مضمونٌ كما أن الأجل محسوم، وأنه لو هرب ابن آدم من رزقه كما يهرب من أجله لأدركه رزقه كما يدركه أجله.

◄ الرضا بقضاء الله
ويتابع د. أحمد شبل، قائلًا: كذلك فمن ابتلى بما يكره من مرض، أو فقد، أو كرب، أو دين، يهون عليه ما يلاقى إيمانه العميق بربه، ورضاه بما شاء الله له وقدر، وأمله فى تحسن أحواله وانتهاء أحزانه، فعوض الله ليس له حد، ورب الخير لا يأتى إلا بخير، وهكذا، فالإيمان الجازم هو مصدر السعادة فى الدنيا والآخرة، وبه نستطيع التغلب على خيبات الحياة، وتقلباتها، وفى هذا يقول الله تعالى: «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون».

وعلى هذا فإن للإيمان حلاوة معنوية يتذوق طعمها من عاش فى جنة الرضا، واستسلم لما حكم به القضا، ويظهر أثر هذه الحلاوة فيما يجده المؤمن الصادق من راحة وتوفيق وهداية وطمأنينة وأنس بالله تعالى يجعله ينام هادئا مطمئنا بما يعلم أنه فى معية الله ورعايته؛ ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه مسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا».

ويوضح د. شبل أن طعم الإيمان وحلاوته يتذوقها من امتلأ قلبه حبا خالصا لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم محبتهما على محبة ما سواهما، ومقتضى ذلك أن يقدم ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه، وشهواته،وأن تكون طاعتهما أحب إليه من ملذاته، وما يزينه له شيطانه، فيجده ربه دوما حيث أمره ويفتقده حيث نهاه، فإنهلن يكتمل إيمان أحدنا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم كما جاء فى الحديث الشريف.

وحلاوة الإيمان يتذوقها أيضا من كان محبا لإخوانه، نافعا لهم، حريصا على مصلحتهم، يحب لهم ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه،يتعامل معهم كأعضاء الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،ويزين هذا كله تمسكه بدينه واعتزازه به، وكرهه لكل ما يخالف هذا الدين وينتقص منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار».

◄ مصدر السعادة
ويتابع د. شبل أنه إذا كان الإيمان هو مصدر السعادة، ومدار تحقيق الريادة، فحرى بهذا الإيمان أن يتفقد صاحبه قوته من حين لآخر؛ ليحافظ على حيويته، فإنه إذا ضعف يفقد كثيرا من قيمته، وهذا ما حثنا عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إن الإيمان ليخلق، أى يصير قديما باليا، فى جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم»، ولذلك وجب على المؤمن أن يحرص على زيادة معدل الإيمان فى قلبه، فإنه، أى الإيمان، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصى والسيئات، كما أخبر بذلك القرآن حيث قال:«إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون»، ولهذا كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه، فيقول لهم: «قم بنا نزدد إيمانا»، وكذلك كان عبد الله بن رواحة، رضى الله عنه، يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول: «تعالوا نؤمن ساعة، تعالوا فلنذكر الله ونزدد إيمانا، تعالوا نذكره بطاعته لعله يذكرنا بمغفرته».

وإذا كانت الطاعات بشتى أنواعها هى سبيل زيادة الإيمان، والمحافظة عليه بطريق غير مباشر، فقد نبه الشرع الحنيف على بعض العبادات التى تؤثر بطريق مباشر فى زيادة الإيمان، ومنها: قراءة القرآن وتدبره، ومنها: الإكثار من ذكر الله،ومنها: أن يتذكر المسلم لقاء ربه ووقوفه بين يديه، وكذلك مطالعة أسماء الله وصفاته، والتفكر فى ملكوت الله وآلائه من شأنه أن يزيد إيمان العبد ويحافظ على نشاطه.