خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى.. موقف أم سلمة في صلح الحديبية

خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى
خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى

يقول الحق فى الآية( (190 من سورة البقرة:» وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»،وسبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتاق هو وصحابته إلى البيت الحرام، وأرادوا أن يعتمروا، فجاءوا فى ذى القعدة من السنة السادسة من الهجرة.

وأرادوا أن يؤدوا العمرة. فلما ذهبوا وكانوا فى مكان اسمه الحديبية، ووقفت أمامهم قريش وقالت: لا يمكن أن يدخل محمدٌ وأصحابه مكة. وقامت مفاوضات بين الطرفين، ورضى رسول الله بعدها أن يرجع هذا العام على أن يأتى فى العام القادم، وتُخلى لهم مكة ثلاثة أيام فى شهر ذى القعدة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشر أصحابه بأنهم سيدخلون المسجد الحرام محلقين ومقصرين، وشاع ذلك الخبر، وفرح به المسلمون وسعدوا، ثم فوجئوا بمفاوضات رسول الله ورجوعه على بعد نحو عشرين كيلو متراً من مكة وحزن الصحابة.

اقرأ أيضاً | تفسير ومعانى| «الشهادة»

حتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه غضب وقال للنبى صلى الله عليه وسلم: ألست رسول الله؟ ألست على الحق؟ فرد عليه سيدنا أبو بكر قائلا: الزم غرزك يا عمر إنه لرسول الله. وقد أظهرت هذه الواقعة موقفا لأم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها، وهو موقف يعبر عن الحنان والرحمة والمشورة اللينة الهينة.

فحينما دخل عليها رسول الله وقال لها: هلك المسلمون يا أم سلمة، أمرتهم فلم يمتثلوا. فانظر إلى مهمة الزوجة عندما يعود إليها زوجها مهموماً، هنا تتجلى وظيفتها فى السكن، قالت أم سلمة: اعذرهم يا رسول الله؛ إنهم مكروبون. كانت نفوسهم مشتاقة لأن يدخلوا بيت الله الحرام محلقين ومقصرين، ثم حرموا منها وهم على بعد أميال منها، اعمد إلى ما أمرك الله فافعله ولا تُكلم أحداً، فإن رأوك فعلت، علموا أن ذلك عزيمة. وأخذ رسول الله بنصيحة أم سلمة، وصنع ما أمره به الله، وتبعه كل المسلمين، وانتهت المسألة.

وقبل أن يرجعوا للمدينة لم يشأ الله أن يطيل على الذين انتقدوا الموقف حتى لا يظل الشرخ فى نفوس المؤمنين، وتلك عملية نفسية شاقة، لذلك لم يُطل الله عليهم السبب، وجاء بالعلة قائلا لهم: ما يحزنكم فى أن ترجعوا إلى المدينة؛ أنتم لكم إخوان مؤمنون فى مكة وقد أخفوا إيمانهم وهم مندسون بين الكفار، فلو أنكم دخلتم، وقاتلوكم، ستقاتلون الجميع مؤمنين وكافرين، فتقتلون إخوانا لكم، فلو كان هؤلاء الإخوان المؤمنون متميزين فى جانب من مكة لأذنت لكم بقتال المشركين؛ كما تريدون.

واقرأ قول الله تعالى: «هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدى مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ الله فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» «الفتح: 25».

بعد نزول الآية عرف المسلمون أن الامتناع كان لعلة ولحكمة، فلما جاءوا فى العام التالى قال الله لهم: «الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قِصَاصٌ» «البقرة: 194». وكان الحق يطمئنهم، فالذين صدوكم فى ذى القعدة من ذلك العام ستقاتلونهم وستدخلون فى ذى القعدة من العام القادم.

وخاف المسلمون إن جاءوا فى العام المقبل أن تنقض قريش العهد وتقاتلهم، ونزل قول الحق: «وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين» «البقرة: 190».