د. عبد الناصر الجعفرى أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة:

الصيام باب للصبر.. والعبادات وسائل للسعادة والرضا

د. عبد الناصر الجعفرى
د. عبد الناصر الجعفرى

الفوائد الأخلاقية لصيام شهر رمضان لا تنحصر فى السمو الروحى وتقوية الجسد فقط؛ بل إنها تزيد اقتراب العبد من ربه، سبحانه وتعالى، بالتقوى والأعمال الصالحة؛ ويؤدى كذلك إلى الاعتياد على الصبر الذى هو المدخل الرئيسى للانتصار على الأعداء؛ ولهذا يذكر التاريخ الإسلامى أن أعظم انتصاراتنا على أعدائنا كانت فى هذا الشهر الكريم الذى يعلمنا التحلى بالأخلاق العليا والأعمال الصالحة والتخلى عن الفواحش والأذى للنفس وللغير، طاعة لله سبحانه وتعالى، ومحبة فى رسوله، صلى الله عليه وسلم.. هذا ما يؤكده د. عبد الناصر الجعفري، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة.

الإمساك احتساباً

ويضيف د. الجعفرى: أنه إذا كان الصوم فى الشرع الإسلامى هو: الإمساك عن الأكل والشرب وغشيان النساء من الفجر إلى المغرب، احتساباً لله، وإعداداً للنفس، وتهيئة لها لتقوى الله بالمراقبة له، وتربية الإرادة على كبح جماح الشهوات، ليقوى صاحبها على ترك المضار والمحرمات؛ فإن الصيام قد كُتب على أهل الملل السابقة أيضًا فكان ركناً من كل دين؛ لأنه من أقوى العبادات وأعظم ذرائع تهذيب النفوس وعلى المجتمعات الإسلامية الاستفادة من هذه العبادة فى تربية أبنائها على القيم العليا. كما أن الصوم المفروض فى الإسلام هو: صيام شهر رمضان أداءً لمن شهد الشهر ممن تحققت فيه شروط وجوب الصوم وشروط صحته، وقضاءً لمن لم يستطع صوم رمضان لعذر كسفر أو مرض، أو فقد شرطاً من شروط الصحة كالحيض أو النفاس، أو فقد العقل وهو مناط التكليف فأصابه الجنون؛ والصيام قد فرضه الله علينا لنكون به من المتقين الذين أثنى عليهم فى كتابه، والتقوى: شعور وأخلاق وسلوك، تمنع صاحبها من المعاصي، والصائم المتقى يجتهد فى الصبر والصفح، فلا يجازى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح، ويقدم الإحسان.

فوائد الصيام

ويوضح د. الجعفرى : أن التقوى هى أهم فوائد الصيام: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وإذا فقد العمل الإخلاص والمتابعة لخير المرسلين لم يكن صاحبه من المتقين الذين يتقبل الله أعمالهم، فقد قال سبحانه: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه»، فإذا لم تحصّل التقوى لم يحصل له مقصود الصوم، فينقص من أجر الصوم، وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه». وإذا كانت التقوى هى الاحتراز عن المضار، وفيها النجاة من الضرر والضرار فى الدنيا والآخرة، فإنها هى التى تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً، وذلك بعمل الواجب وترك المحرَّم.

الوصول للرضا

ويشير د. الجعفرى إلى أن العبادة من أهم وسائل الوصول للرضا والسعادة فى الدنيا، ووسيلة العبادة الصحيحة التقوى، وبهما تتحقق الرحمة والراحة، والنجاة من المهالك، والفرج عند الشدائد، والسعة والبركة فى الأرزاق والمعايش، قال الله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ»، وقال عز وجل: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». ومن أهم وسائل النجاة التى يرزق الله بها عباده المتقين: البصيرة، ونور القلب، والهداية والتوفيق، فهم يرون الحق حقاً ويرزقهم الله اتباعه، ويرون الباطل باطلاً ويرزقهم الله اجتنابه، والعابدون المتقون: أولياء الله، يؤمنهم من الخوف والحزن، ويرزقهم الثبات والفرح، ويرزقهم ويرضيهم فى الدنيا والآخرة، أفراداً ومجتمعاتٍ. والنصيحة لكل طالب علم: ما أرشد القرآن الكريم إليه فى قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فالتقوى أهم وسائل تحصيل العلم، حيث التقوى تبعث فى النفس أملاً، وفى العقل وعياً، وفى البدن قوة، وهذه من أهم عناصر تحقيق النجاح للمتعلم، بل النجاح والفلاح فى كل خير مقصود.

وسائل النصر

ويتابع د. الجعفرى: أن النصيحة لكل مسلم بألا تصاحب إلا تقياً؛ فإنه ذخر لك فى الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)، بل إن التقوى من أهم وسائل النصر؛ فالأمة فى معاركها التى تحمى بها نفسها وتدافع عن كيانها ومقدراتها وأرضها ودينها تحتاج إلى التقوى، كعنصر من أهم عناصر القوة والنصر والظفر على الأعداء، قال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)، وكيف يكون حال قوم الله يحبهم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).

ويجعلهم فى معيته، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا). فليفرح المسلمون بالصيام وشهر الصيام؛ لأنه من أهم وسائل السعادة والتمكين فى الدنيا والنجاة والفوز فى الآخرة.