تفسير ومعانى| «الشهادة»

الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف
الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف

فى هذا الباب نقدم لك عزيزى القارئ تفسيراً ومعانى لصفات جاء ذكرها فى كتاب الله .. يقدم هذا الشرح والتفسير لها وعلى مدار شهر رمضان الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف.

الشهادة - كما يقول د. مبروك عطية - عكسها الغيبة، والدليل على ذلك قوله تعالى: «وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا» أى أننا رأينا «الصاع» يخرج من متاع أخينا ورأيناه بأعيننا، ومن ثم قالوا له: «إن ابنك سرق» وبعض الغافلين يقولون: قالوا يا أبانا إن ابنك سرق، لما سرق قالوا ابنك، ولما كانوا فى حاجة إليه قالوا أرسل معنا أخانا، فعبروا بالأخوة لحاجتهم إليه، وهذا تفسير لا يليق بكتاب الله تبارك وتعالى. والذى يليق أنهم قالوا «إن ابنك» فى السرقة لاستدرار عطف أبيه عليه، لم تعد هناك مصلحة قُضيت حتى يتحدث الغافلون ويقيسوا إحباطات دنياهم على دين الله وعلى تأويل القرآن الكريم.

والشاهد فى الآيات أن إخوة يوسف عليهم السلام جميعاً شهدوا أمام أبيهم أن ابنه سرق وقالوا: «وما شهدنا إلا بما علمنا»، والأمر فى الشهادة موسع فى الفقه، هناك الشهادة لى وهناك الشهادة عليَّ، وقد أجمع الفقهاء على أن الشهادة عليَّ تكون على النفس وعلى الوالدين وعلى الأقربين. فمن شهد على أبيه بأنه قتل فلاناً أو سرق فلاناً، تُقبل شهادته وهو ابنه ولا تُقبل فى الشهادة لى لو شهد لأبيه بأن له ألفاً من الجنيهات على فلان، لا تُقبل شهادته لأنه ابنه أما الشهادة عليَّ فلا ينفك منها أحد.

وهناك معيار الشهادة فى دين الله فى مجال الدماء والجنايات، لابد من أربعة شهود رجال، لا تُقبل شهادة المرأة فى الجنايات وإنما تُقبل فى الأموال، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، واختلف السادة الفقهاء فى شهادة الصبيان فمنعوها ومنهم من أجازها، إذا كانت فى الأعمال الخاصة بالصبيان كاللعب وكأن يضرب أحدهم أحداً وهو يلعب فتجوز شهادة الصبيان فى هذا.

إلى آخر الأمر الذى يدل فى النهاية على اهتمام العلماء والفقهاء بأمر الشهادة؛ لما يترتب عليها من حقوق وتضييع أموال بسبب الشهادة التى كان النبى صلى الله عليه وسلم مضجعاً فلما جاءت شهادة الزور على لسانه قام منتفضاً وقال: «ألا وشهادة الزور» أى اجتنبوا شهادة الزور إلى درجة أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا: وددنا لو أنه سكت إشفاقاً عليه ورحمة به لما جاءت سيرة شهادة الزور، التى أصبحت متفشية فى مجتمعاتنا على سبيل المجاملة وعلى سبيل المحاباة وعلى سبيل الاستئجار أحياناً، وهم لا يعلمون قول الله تبارك وتعالى فى عباد الرحمن: «وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا».