أكثر أنواع أعمال الجريمة الغامضة تأثيرًا فى الجمهور هى التى تتداخل وتتشابك أحداثها وصولا لمعرفة الجانى الحقيقى، لكن الأصعب على مستوى التنفيذ الدرامى أن يحدث العكس، أن يكون الجانى معروفا من البداية، لأن عدم معرفة الشخص المتورط يضع الجماهير أمام توقعات واستنتاجات، لهذا كشف الجانى من البداية يجعل صناع العمل فى حاجة إلى نسج تفاصيل تتعلق بدوافع ارتكاب الجريمة وسردها دراميا بشكل محكم، وهو ما يجعل تنفيذ العمل نسبيا أكثر صعوبة، وهذا ما ينطبق على مسلسل “لحظة غضب” الذى يشارك فى بطولته صبا مبارك ومحمد شاهين وناردين وعلى قاسم وسارة عبدالرحمن وصفوة ومن تأليف مهاب طارق وإخراج عبد العزيز النجار.
يمثل المسلسل استكمالا لأعمال “الجريمة خفيفة الظل” التى تحدث دون قصد، وعند تلك النقطة يتلامس المسلسل قليلا مع فيلم “الجريمة الضاحكة” الذى أنتج عام 1963 وقدم بطولته أحمد مظهر وسعاد حسنى ومن إخراج نجدى حافظ، والتشابه بين العملين يتلخص فى ثلاث نقاط، الأولى الجريمة حدثت دون قصد أو ترتيب مسبق، الثانية دخول البطل فى رحلة إخفاء الجثة، أما النقطة الثالثة وهى الأهم الإطار الكوميدى الذى يغلف العملين، لكن الاختلاف الأبرز بينهما كما واضح أن اسم الفيلم “الجريمة الضاحكة”، من البداية نحن أمام جريمة لكنها ضاحكة أى أننا على يقين من أن الحبكة ستحتوى على تويست كوميدى فى نهاية الأحداث، على النقيض فى “لحظة غضب” فالجريمة حدثت خلال الحلقة الأولى، والدوافع والأسباب واضحة، لكن المنتظر معرفته الآن مصير الزوجة التى فى لحظة غضب قامت بقتل زوجها، حيث تعاني يمنى “صبا مبارك” التى تعمل طاهية من سيطرة زوجها شريف “ظهور خاص كضيف شرف لمحمد فراج” وتحكمه في كل شيء، ومعاملته السيئة لها ومحاولته المستمرة للتقليل من شأنها ومما تقوم به، مستفيدا بحبها له والأهم شخصيتها الضعيفة المترددة.
فرض المسلسل منذ المشهد الأول حالة غرائبية كاملة تندرج تحت نوعية الكوميديا السوداء، بداية من حلم يمنى والذى من خلاله تظهر طبيعة معاملة شريف لها فى اختيار ذكى من المؤلف مهاب طارق اختصر فيه فكرة الاعتماد على مشاهد تمهيدية لإظهار تلك العلاقة، ويدعمها المخرج عبد العزيز النجار بمشاهد قصيرة متتالية للتأكيد على ذلك التمهيد.
سيطرة الحالة الغرائبية على المسلسل أضافت قوة وتمييز للحبكة، فلم تكن تلك الحالة فى الجريمة فقط، لكنها امتدت إلى كل الشخصيات، ليس فقط على مستوى الأبعاد الدرامية، لكن أيضا على مستوى الشكل، فنجد أن مصطفى شقيق شريف “محمد شاهين” يظهر بشارب كثيف بشكل ملحوظ، وشقيقته فاطمة “سارة عبد الرحمن” ترتدى باروكة حمراء غير متماشية مع شكلها مع ارتداء “حلق” فى الأنف، أما الجار آسر “على قاسم” فهو دكتور فى الجامعة لكنه فى نفس الوقت يعتمد على تسريحة “ديل الحصان” وهو شكل غير متعارف عليه فى الجامعات حتى الخاصة.
تمتد الحالة الغرائبية فى كل المواقف بداية من حالة شرلوك هولمز التى يتبناها مصطفى للكشف عن تفاصيل اختفاء شقيقه، وفاطمة التى تلجأ للدجل والشعوذة وفتح المندل، ونيرة “ناردين فرج” صديقة يمنى التى تتعامل بشكل اعتيادى تماما عندما قالت لها يمنى أنها قتلت زوجها، وأخيرا قيام آسر بابتزاز يمنى بفيديو جريمتها، وعرضه لها بأن تقدم له أربع خدمات فى مقابل تسليم الفيديو لها، وجملته الأهم التى وجهها ليمنى (قولى السؤال كامل علشان أعرف أرد).
تلك الحالة الغرائبية جعلت التفكير فى النهاية يسير فى اتجاهين كلاهما مدعوم دراميا أو تم التمهيد له فى الحلقات الأولى، الاتجاه الأول المتعلق بأن كل ما يحدث ما إلا مجرد حلم تحلم به يمنى لكنه عبر عن مسار حياتها وكشف لها تفاصيل يجعلها أمام حتمية تعديل شخصيتها وتعاملها مع زوجها، وهذا الاتجاه يرتكز على المشهد الأول للمسلسل الذى بدأ أيضا بحلم أو كابوس ليمنى.
الاتجاه الثانى الذى يميل إلى فكرة نجاة يمنى من الجريمة التى ارتكبتها، وذلك التوجه مدعوم بعلاقتها بصديقتها نيرة التى أقدمت على نفس الفعل وقامت بقتل زوجها بنفس طريقة نوال إبراهيم كامل أو “سعاد حسنى” فى فيلم “موعد على العشاء” للمخرج محمد خان، ونيرة فى “لحظة غضب” أفلتت بجريمتها ولم يتم كشفها، وهى التى بدورها تقدم المساعدة ليمنى للخروج من أزمتها، ويبدو أن شخصية نيرة قبل ارتكاب الجريمة تتطابق مع شخصية يمنى، حيث الفتاة المغلوبة على أمرها والتى تتحول بمرور الوقت إلى مدبر ومخطط، ويسيطر عليها حالة من اللامبالاة والإعتيادية على تلك الأمور.
تغلف حالة المسلسل الغرائبية الموسيقى التصويرية التى اشترك فى تأليفها الثنائى كريم جابر وعمرو حمامة، حيث الاعتماد بشكل أساسى على الآلات النحاسية التى تسير فى الخلفية الموسيقية على طول التتر، والتركيز تحديدا على آلة الترومبيت والمزج مع البوق، ودعمت الموسيقى حالة الغموض المسيطرة على العالم الغرائبى الذى تسير خلاله الأحداث من البداية، وخلال الأيام القليلة القادمة ستكتشف خيوط تلك الحالة، وعندها سيتم الإجابة عن السؤال حول النهاية، هل ستطبق مع أحد الاتجاهين أم أن هناك اتجاه ثالث لم يتم التطرق إليه ؟