صلاح السعدنى .. عمدة الدراما المثقف

محمد‭ ‬كمال
محمد‭ ‬كمال

رحيل جديد في عنقود لآلئ الفنانين من خريجي كلية الزراعة، الذي ضم في قائمته سمير غانم ومحمود عبدالعزيز ودلال عبد العزيز وجورج سيدهم وسيد عبدالكريم ومحسنة توفيق ومدحت مرسي ومحمد أبو الحسن، وانضم لقائمة الغائبين صلاح السعدني، الذي تخرج من كلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1967، وعلى مسرحها كانت نقطة البداية مع التمثيل عن طريق الإشتراك في فريق التمثيل بالجامعة الذي كان رئيسه عادل إمام خريج نفس الكلية وصديق عمر السعدني الذي قيل أنه السبب الرئيسي في تغيير مساراته بالحياة، فقد كان السعدني يعد نفسه ليصبح مهندسا زراعيا حتى مقابلة عادل إمام، والتي غيرت بوصلته ووجهته إلى عشق التمثيل، ومن هنا بزغت موهبة السعدني الشقيق الأصغر للكاتب الساخر الراحل محمود السعدني.

ولد السعدني في 23 أكتوبر عام 1943 في محافظة المنوفية، حيث استقرت أسرته في القاهرة ببداية الأربعينيات من القرن الماضي، لهذا فقد جمعت شخصية السعدني بين إيقاع وصخب العاصمة الذي عاش فيه من خلال شوارعها وضواحيها ومقاهيها، وأصوله الريفية، وهذا كان صاحب التأثر الأكبر على أدواره، وتحديدا بالدراما التليفزيونية.

قدم السعدني خلال مشواره الطويل الذي أمتد لما يقرب من 6 عقود أعمالا كثيرة، لكنه بشكل خاص يعد “فتى التليفزيون المدلل”، وأحد فرسان رهانه على مدار التاريخ، فقد جاءت بداية مسيرة السعدني بإنطلاق البث التليفزيوني في مصر خلال مطلع الستينيات من خلال مسلسل “الضحية” للمخرج نور الدمرداش عام 1962، ويعد هذا العمل من أكثر المسلسلات التي حققت نجاحا في تلك الفترة، وقدم السعدني في المسلسل دور الأبكم “أبو المكارم”، الذي يشهد على الجرائم التي تحدث في القرية، بقلب يعتصره الألم، عاجزًا عن رد الظلم حتى عن أقرب الناس إلى نفسه، واستمر دور أبو المكارم خلال 3 أجزاء من المسلسل، حيث جاء الجزء الثاني بعنوان “الساقية” عام 1965، والثالث “الرحيل” عام 1967.

في عام 1970 تحدث النقلة الأولى في مسيرة السعدني عندما أسند له المخرج يوسف شاهين دورا في فيلم “الأرض”، وجسد السعدني خلاله دور “علواني”، ومن خلال هذا الفيلم نجح السعدني في تقديم أوراق اعتماده كأحد المواهب الواعدة، وبالفعل توالت أعماله بين السينما والتليفزيون خلال بداية السبعينيات، ففي عام 1972 – تحديدا - شارك في بطولة فيلم “أغنية على الممر” للمخرج علي عبد الخالق الذي تزامن عرضه مع ما عرف بـ”ثورة التصحيح”، التي أطاح خلالها الرئيس محمد أنور السادات بـ”مراكز القوى” في النظام الإشتراكي الناصري، وتم إلقاء القبض على عدد من المعارضين من النشطاء والصحفيين والأدباء، وكان من ضمنهم الكاتب الصحفي محمود السعدني، الشقيق الأكبر لصلاح، واستدعت الجهات الأمنية السعدني الصغير للتحقيق معه، وبعدها تم منعه ضمنيا من العمل مع عدد من الفنانين مثل محسنة توفيق.

هذه الأزمة جعلت صلاح السعدني يسير بخطوات بطيئة عن جيله، وتأخر عنهم، لكن بعد حرب 1973 انصهر التجميد شيئا فشيئا، وشارك في بطولة فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” للمخرج حسام الدين مصطفى عام 1974، ثم “بائعة الهوى” عام 1975 للمخرج سيمون صالح، و”طائر الليل الحزين” ليحيى العلمي عام 1977.

مع نهاية السبعينيات، شهدت صناعة الدراما في مصر نقلة نوعية وإزدهار، خاصة بعد مسلسل “أبنائي الأعزاء شكرا” للمخرج محمد فاضل، الذي كان السعدني أحد أبطاله، حيث قدم دور “عاطف” الابن الأوسط لـ”بابا عبده”، وبالتوازي بدأ نجم السيناريست أسامة أنور عكاشة في الصعود والتألق، ويبدو أن الثنائي وجدا بعضهما، فقد شارك السعدني في بطولة الجزء الأول من مسلسل “أبواب المدينة” عام 1981، وفي عام 1983 يشارك للمرة الأولى في العمل مع رفيق الكفاح - عادل إمام - من خلال فيلم “الغول”، تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف، ثم في عام 1984 شارك في بطولة فيلم “فتوة الناس الغلابة” للمخرج نيازي مصطفى.

توالت أعمال السعدني خلال مرحلة الثمانينيات، والتي ترنحت ما بين الجيد والمتوسط، وأشهرهم أفلام “قضية عم أحمد” و”فوزية البرجوازية” و”أولاد الأصول” و”الزمار” و”زمن حاتم زهران” و”العملاق”، ومسلسلات “ينابيع النهر” و”سفر الأحلام” و”الجوارح”، لكن يظل الأهم مشاركته مع يوسف شاهين للمرة الثانية في فيلم “اليوم السادس”، وأيضا المشاركة في بطولة فيلم “ملف في الآداب” مع المؤلف وحيد حامد والمخرج عاطف الطيب، والذي يعد أحد أكثر الأفلام التي قدمت تشريحا دقيقا لاختلاف الحياة في فترة الثمانينيات والتحولات التي شهدها المجتمع المصري، حيث الموظفون الذين يعملون في أكثر من دوام يوميا.

في عام 1987 يشاء القدر أن يعطي للسعدني دور لم يكن يعرف وقتها أنه سيكون الأهم في مسيرته، وهو دور “العمدة سليمان غانم” الذي قدمه في مسلسل “ليالي الحلمية” بأجزائه الخمسة للمؤلف أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، ولم يكن السعدني المرشح الأول للدور، فقد وقع الاختيار في البداية على سعيد صالح، لكن في النهاية كان الدور من نصيب السعدني، الذي مازال محفور بالأذهان وتعلقت به الجماهير لدرجة وصلت إلى أن السعدني نفسه وصف الدور بأنه “دور العمر” على غرار “زوربا اليوناني” في مشوار النجم العالمي أنتوني كوين.

في نفس الفترة، وبالتوازي مع مشاركة السعدني في أجزاء “ليالي الحلمية”، شارك في مسلسل “بين القصرين” و”قصر الشوق” المأخوذين عن ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، وقدم السعدني في العملين دور “ياسين” الابن الأكبر للسيد أحمد عبدالجواد، وأيضا مسلسل “شارع المواردي” عام 1990 للمخرج إسماعيل عبد الحافظ، و”النوة” مع المخرج محمد فاضل.

على مدار 5 أجزاء من مسلسل “ليالي الحلمية”، كان الصراع بين “الباشا سليم البدري” و”العمدة سليمان غانم” محور الأحداث، لكن ظل الخط المرتبط بالعمدة الأقرب للناس، وذلك بسبب تلقائية وموهبة السعدني، فقد قدم الدور بتوازن بين الرجل الريفي الصارم، والحس الكوميدي، خاصة من خلال علاقته بزوجته “وصيفة” وحراسه “بهروز” و”المليجي”، ويظل اسم “زهرة” الذي ينطق بفتح الـ”ز”، يقال كما ردده “العمدة” في “ليالي الحلمية” حيث ضم الـ”ز”، وبقى اسم “العمدة” خالدا مع صلاح السعدني طوال حياته، وأصبح اللقب المفضل له سواء على مستوى الوسط الفني، أو حتى على مستوى الجماهير العاشقة.

بعد النجاح الكبير الذي حققه السعدني في “ليالي الحلمية”، تحول إلى أحد أهم فرسان الرهان في هذه الصناعة، وأصبح منافسا بقوة لنجومها، وأصبحت الجماهير تنتظر مسلسله كل رمضان، لهذا وقع اختيار السعدني عام 1994 لتقديم البطولة المطلقة التليفزيونية الأولى، من خلال مسلسل “أرابيسك” من تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج جمال عبد الحميد، وقدم السعدني شخصية “حسن النعماني” الذي يعد ثاني أهم أدوار السعدني، حيث شخصية الحرفي ابن البلد المعتز والمتمسك بمهنة أجداده “الأرابيسك”، لكن “حسن” لا يستطيع مجارة التغييرات التي شهدتها ليس فقط تلك الصناعة، لكن مصر بشكل عام.

بعد هذا المسلسل، أصبح السعدني أحد أهم أبطال الدراما التليفزيونية المصرية، وتوالت أعماله مثل “حلم الجنوبي” و”سنوات الغضب” و”الحساب” و”معاش مبكر” و”جسر الخطر” و”وجع البعاد”، لكنه مع بداية اللألفية الجديدة، قرر الخروج بعيدا قليلا عن المواسم الرمضانية، وقدم مسلسل “رجل في زمن العولمة” عام 2002 للمخرج عصام الشماع، وقدم السعدني دور “الحسيني رضوان” الأب الذي يخشى على أبنائه من الأفكار الغريبة والقيم التي تغيرت بالمجتمع، في ظل التحولات السريعة التي يمر بها العالم طيلة الوقت، خاصة مع الانفتاح الشديد بعد ثورة الاتصالات.

وفي الألفية الجديدة، استمر السعدني مع المسلسلات، حيث قدم “الأصدقاء” و”الناس في كفر عسكر” و “للثروة حسابات أخرى”، وأيضا سلسلة أجزاء “أوراق مصرية” و”حارة الزعفراني”، قبل أن يقرر عام 2007 المشاركة في بطولة مسلسل “عمارة يعقوبيان” مع المخرج أحمد صقر، ولم يخشى السعدني الوقوع في مقارنة مع الفيلم الذي حمل نفس الاسم وقدم قبلها بعام، ونفس الحال مع مسلسل “الباطنية” الذي سبق وأن تم تقديمه في فيلم سينمائي من قبل.

كان الظهور الأخير للسعدني سواء في الدراما التليفزيونية بشكل خاص وعلى الساحة بشكل عام، من خلال مسلسل “القاصرات”، تأليف سماح الحريري وإخراج مجدي أبو عميرة، وقدم السعدني خلاله دور “عبد القوي الأدهم النجعاوي”، الرجل الصعيدي الباحث دائما عن إرضاء شهوته بالزواج من القاصرات.

حصل السعدني على جائزة “التميز الفني” من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، كما حصل علي جائزة مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما عن مجمل أعماله، وتم تكريمه عن مجمل أعماله بمهرجان القاهرة للدراما في دورته الأولى عام 2022، وتسلم الجائزة بمنزله لظروف الصحية التي حالت دون حضوره.

اقرأ  أيضا :


 

;