أوراق شخصية

أين ذهبت سنوات العمر؟!

د. آمال عثمان
د. آمال عثمان

أرسل لى صديق سطورا من كتاب «اعترافات عشاق» للدكتور مصطفى محمود، لمستْ فؤادى ورغبتُ مشاركتها معكم، وهى عبارة عن مقال لعالم الاجتماع السويدى «بير يوهانسون»، وضع فيه تجربته الشخصية، بعد تقاعده عن التدريس فى الجامعة، قائلا: «بالأمس كنت طفلاً صغيراً، فأين ذهبت سنوات العمر؟! أعلم أننى عشتها، وأتذكر لمحات عن آمالى وأحلامى فيها، لكنى اكتشفت فجأة إنى أعيش الربع الأخير من حياتى، وأدهشنى ذلك الاكتشاف، أين ذهبت كل تلك السنين!؟ ومتى وإلى أين غادر الشباب؟

كم اعتقدتُ أن الشيخوخة التى اتصف بها من قابلتهم فى حياتى من كبار السن بعيدة عنى، حين كنت فى الربع الأول من رحلة العمر، لم أتخيّل كيف يمكن أن يكون الربع الأخير حين أبلغه، لكن ها هو اقتحم بابى وتجاوز أعتابى، وسلبنى شبابى، أصدقائى متقاعدون وأصبحوا شيباً، يتحركون ببطء ويسمعون بعسر، ويفهمون بمشقة، بعضهم حالته أفضل منى، وبعضهم أسوأ، لكنهم ليسوا شبه الأشخاص الذين أتذكرهم، اليوم اصبحت أرى أن مجرد الاستحمام هدف حقيقى فى اليوم، والقيلولة لم تعد اختيارية، لأنى سأغفو حيث أجلس هكذا أدخل مرحلة جديدة من حياتى غير مستعد للأوجاع والآلام، وفقدان القدرة على القيام بأشياء، كنت أتمنى أن أفعلها، وندمت أننى لم فعلها.

إن لم تكن فى الربع الأخير من عمرك بعد، دعنى أذكّرك أنه سيأتيك أسرع مما تتوقع، لذلك كل ما ترغب فى تحقيقه بحياتك افعله بسرعة، تمتع بيومك وكُن سعيداً، وتذكر أن «الصحة» هى الثروة الحقيقية، وليست قطع الذهب والألماس والقصور، عليك أن تضع فى اعتبارك أن الخروج من البيت جيد.

إنما العودة إليه أفضل، ولا بأس من نسيان الاسماء، لأن البعض نسوا أنهم يعرفونك أصلاً، ستنام على الأريكة أو الكرسى وأنت تتفرج على التلفزيون، بشكل أفضل مما لو كنت نائما فى سريرك، ستتحسر على نصف الملابس التى لم تستخدمها من دولابك، سيكون كل شىء قديم له قيمة أكبر من قبل فى حياتك، الأغانى، الأفلام، الأكلات، الأصدقاء»، ‎ويختم عالم الاجتماع كلامه بقوله: «نحن نعلم جيداً أننا لن نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا، لكننا يمكن أن نضيف حياة إلى وقتنا».

حقا علينا أن نسرق من العمر حياة، قبل أن يسرق العمر أجمل سنوات حياتنا!